للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ شَرْطًا مِنْهَا هُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ عُدِمَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ إنَّهُ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَثَبَتَ حَالًّا، وَمُؤَجَّلًا كَثَمَنِ الْبَيْعِ فَيُقَالُ لَهُ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ شَرْطِ التَّعْلِيلَ أَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمًا، وَالنَّصُّ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ بِحُكْمِهِ، وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذَا الشَّرْطَ هَهُنَا وَالْمُمَانَعَةُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ صَارَ دَلِيلًا فَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ مَجْرَى الْوَصْفِ بِلَا أَثَرٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ دَلِيلًا حَتَّى يُبَيِّنَ أَثَرَهُ وَسَبِيلَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ الْإِنْكَارُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِنْكَارُ مَعْنًى لَا صُورَةً مِثْلُ قَوْلِنَا فِي الْمُودَعِ يَدَّعِي الرَّدَّ، إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَهُوَ مُدَّعٍ صُورَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

فَيَقُولُ الْخَصْمُ لَا أُسَلِّمُ أَنَّ الرِّضَاءَ كَانَ مَوْجُودًا.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ السَّائِلُ شَرْطًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا هُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ لِيُفِيدَ مَنْعُهُ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَأَمَّا إذَا مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي وَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ مَا مَنَعَهُ السَّائِلُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقِيَاسِ أَمْ لَا وَذَلِكَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ دُونَ إثْبَاتِ شَرْطِ الْقِيَاسِ. وَمَعَ هَذَا لَوْ مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ إلْزَامِ الْمُعَلِّلِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ انْتِقَالُ الْكَلَامِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ. وَلَفْظُ مَا فِي قَوْلِهِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ " شَرْطًا " لَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَيْ الشَّافِعِيِّ الْمَذْهَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيُقَالُ لَهُ: وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ هَذَا الشَّرْطَ أَيْ وُجُودَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّصْبِ يَتَغَيَّرُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ فَيَصِيرُ مَا هُوَ رُخْصَةٌ نَقْلَ رُخْصَةِ إسْقَاطٍ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَكَذَا جَوَازُ السَّلَمِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ أَيْضًا لِكَوْنِ الْمَبِيعِ مَعْدُومًا حَقِيقَةً فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ.

وَأَمَّا الْمُمَانَعَةُ فِي الْمَعْنَى يَعْنِي إذَا ثَبَتَ صَلَاحُ الْوَصْفِ وَوُجُودُهُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَتَحَقُّقُ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ كَانَ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ لَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَاجِبٌ بَلْ الْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ وَجَبَ كَالنَّوَافِلِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَكَالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ مَسْتُورِ الْحَالِ فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَنَّهُ وَاجِبُ الْعَمَلِ لِيَتِمَّ الْإِلْزَامُ عَلَى السَّائِلِ وَذَلِكَ بِبَيَانِ الْأَثَرِ كَالْكَافِرِ يُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْلِمًا يَكُونُ شَهَادَتُهُ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُرِيدُ الْإِيجَابَ عَلَى الْمُسْلِمِ كَذَا هَاهُنَا. وَسَبِيلُهُ أَيْ سَبِيلُ السَّائِلِ فِي هَذَا كُلِّهِ أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ الْمُمَانَعَةِ الْإِنْكَارُ، وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلدَّعْوَى، وَلَا يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى. فَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ إنْكَارًا بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُودِعُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً.

وَكَذَا الْبِكْرُ إذَا قَالَتْ بَلَغَنِي خَبَرُ النِّكَاحِ فَرَدَدْت، وَقَالَ الزَّوْجُ مَا رَدَّتْ بَلْ سَكَتَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ ثُبُوتَ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَلُزُومَ الْعَقْدِ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَتْ تَدَّعِي الرَّدَّ صُورَةً فَالْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْمُمَانَعَةِ إنْكَارٌ صُورَةً، وَمَعْنًى فَكَانَتْ صَحِيحَةً. وَلَوْ قَالَ السَّائِلُ إنَّ الْحُكْمَ مَا تَعَلَّقَ بِهَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ بَلْ بِهِ وَبِقَرِينَةٍ أُخْرَى يَكُونُ إنْكَارًا مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ دَعْوَى صُورَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِوُجُودِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةً صَحِيحَةً. وَذَلِكَ كَمَا لَوْ عَلَّلَ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاَللَّهِ مَقْصُودَةٌ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهَذَا الْوَصْفِ إلَى الْغَمُوسِ فَيَقُولُ: الْحُكْمُ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَعَ قَرِينَةٍ، وَهِيَ تَوَهُّمُ الْبِرِّ فِيهَا فَيَكُونُ هَذَا مَنْعًا لِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَيَحْتَاجُ الْخَصْمُ إلَى إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ لَيْسَ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ مَا ذَكَرْت، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ كَذَا فَإِنْكَارٌ صُورَةً، وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دَعْوَى فَلَا يَكُونُ مُمَانَعَةً بَلْ هُوَ دَعْوَى فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ غَيْرُ مُفِيدَةٍ كَمَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>