للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِيهِ صِحَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا الْكَافِرُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَيَمْلِكُ شِرَاءَهُ كَالْمُسْلِمِ فَقَالُوا بِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ ابْتِدَاؤُهُ وَقَرَارُهُ كَالْمُسْلِمِ.

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْ فَالْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا نَفْيٌ لِمَا أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ أَوْ إثْبَاتٌ لِمَا نَفَاهُ، وَلَكِنْ بِضَرْبِ تَغَيُّرٍ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَوْضِعِ النِّزَاعِ. مِثْلُ قَوْلِنَا فِي أَنَّ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا أَيْ الْيَتِيمَةَ صَغِيرَةٌ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ كَاَلَّتِي لَهَا أَبٌ فَقَالُوا أَيْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ صَغِيرَةٌ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا بِوِلَايَةِ الْأُخُوَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ عَلَى مَالِ الصَّغِيرَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا تَغْيِيرُ الْأَوَّلِ أَيْ تَعْيِينُ الْأَخِ زِيَادَةٌ تُوجِبُ تَغْيِيرًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ وَقَعَ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا لِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ الزَّوْجِ لَهَا وَالْخَصْمُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ عَلَّلَ لِنَفْيِ الْوِلَايَةِ فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ، وَهُوَ الْأَخُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُكْمُ عَيْنَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ دَفْعًا إلَّا أَنَّ أَيْ لَكِنْ تَحْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَهِيَ التَّعْلِيلُ لِنَفْيِ وِلَايَةِ الْأَخِ فِي التَّزْوِيجِ نَفْيُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُخُوَّةِ أَقْرَبُ الْقَرَابَاتِ بَعْدَ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ، وَالْأَخُ هُوَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِسَائِرِ الْأَقَارِبِ تَثْبُتُ بَعْدَ وِلَايَةِ الْأَخِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْأَخِ بَعْدَ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَمَّا انْتَفَى بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وِلَايَةُ الْأَخِ الَّذِي هُوَ الْأَقْرَبُ وَالْأَصْلُ؛ فَلَأَنْ تَنْتَفِيَ وِلَايَةُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ الَّتِي هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وِلَايَةِ الْأَخِ كَانَ الْأَخُ أَوْلَى، أَوْ يُقَالُ وِلَايَةُ الْأَخِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهَا بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَوِلَايَةُ مَنْ سِوَى الْأَخِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهَا بِالْأَخِ فَيَكُونُ كُلُّ الْوِلَايَاتِ مُنْتَفِيَةٌ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَظْهَرُ مَعْنَى الصِّحَّةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا.

قَوْلُهُ: (فَفِيهِ صِحَّةٌ مِنْ وَجْهٍ) يَعْنِي إيرَادَهُ فِي الْمُعَارَضَةِ بَعْدَمَا بَيَّنَّا فِيهِ مَا يُوجِبُ فَسَادَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِيهِ صِحَّةً مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ السَّائِلُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا وَقَصْدًا لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِيهِ فَتَكُونُ فَاسِدَةً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مَا ادَّعَاهُ السَّائِلُ مِنْ الْحُكْمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ يَظْهَرُ فِيهَا جِهَةُ الصِّحَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ جِهَةُ الصِّحَّةِ قُلْنَا كَذَا فَقَالُوا كَذَا.

الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ عِنْدَنَا وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ فَعَلَّلَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مَالٌ يَمْلِكُ الْكَافِرُ بَيْعَهُ فَيَمْلِكُ شِرَاءَهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ فَعَارَضُوهُ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا مَلَكَ بَيْعَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ ابْتِدَاؤُهُ أَيْ ابْتِدَاءُ الْمِلْكِ.

وَقَوْلُهُ كَالْمُسْلِمِ وَفِي التَّقْوِيمِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَالتَّقْرِيرُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِقَرَارِ مِلْكِ الْكَافِرِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحَلًّا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ ابْتِدَاءً فَفِي هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَنْفِهِ الْمُسْتَدِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالْقَرَارِ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا تَكُونُ مُتَّصِلَةً بِمَوْضِعِ النِّزَاعِ فَتَكُونُ فَاسِدَةً إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاءُ الْبَقَاءِ وَالِابْتِدَاءِ ظَهَرَتْ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً فَيَتَّصِلُ بِمَوْضِعِ النِّزَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ الِاتِّصَالُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِإِثْبَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>