للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الدَّفْعُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ فَإِنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَمْ يَصِرْ حُجَّةً بِصِيغَتِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِمَعْنَاهُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ ظَاهِرٌ أَوْ الثَّانِي بِمَعْنَاهُ الثَّابِتِ بِهِ دَلَالَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ فَكَانَ ثَابِتًا بِهِ لُغَةً فَصَحَّ الدَّفْعُ بِهِ كَمَا صَحَّ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَكَانَ دَفْعًا بِنَفْسِ الْوَصْفِ، وَهَذَا أَحَقُّ وَجْهَيْ الدَّفْعِ لَكِنْ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَنَبْدَأُ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِنَا مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَمْ يَكُنْ التَّكْرَارُ فِيهِ مَسْنُونًا كَمَسْحِ الْخُفِّ وَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِنْجَاءُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْحِ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالتَّكْرَارُ لِتَوْكِيدِ التَّطْهِيرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُرَادًا بَطَلَ التَّكْرَارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِبَعْضِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَفِي التَّكْرَارِ تَوْكِيدُهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِبَعْضِهِ فَصَارَ ذَلِكَ نَظِيرَ الْغُسْلِ، وَهَذَا مَعْنًى ثَابِتٌ بِاسْمِ الْمَسْحِ لُغَةً

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّ غَسْلَهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِزَالَةِ، وَلَوْ كَانَ مَسْحًا لَكُرِهَ تَبْدِيلُهُ بِالْغَسْلِ إذْ الْغَسْلُ فِي مَحَلِّ الْمَسْحِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفِّ وَكَذَلِكَ أَيْ، وَمِثْلُ قَوْلِنَا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ نَجَسٌ خَارِجٌ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَكَانَ حَدَثًا كَالْبَوْلِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قَيْدَ الْحَيَاةِ فَقَالُوا مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ احْتِرَازًا عَنْ النَّجَسِ الْخَارِجِ مِنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِهِ ثَانِيًا، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ إنْسَانًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ مُطْلَقِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا لَمْ يَسِلْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقْضًا فَإِنَّهُ خَارِجٌ نَجَسٌ، وَلَيْسَ بِحَدَثٍ، وَمِثْلُهُ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَبِهَذَا زَادَ بَعْضُهُمْ لَفْظَ الْكَثِيرِ فَقَالُوا الْخَارِجُ الْكَثِيرُ النَّجَسُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ حَدَثٌ احْتِرَازًا عَنْهُ.

فَوَجَبَ دَفْعُ هَذَا النَّقْضِ بِمَنْعِ الْوَصْفِ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ كَالرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا لَمْ يَسِلْ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ بَعْدُ فِي مَحَلِّهَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ جَلْدَةٍ رُطُوبَةٌ فِي كُلِّ عِرْقٍ دَمًا وَالْجِلْدَةُ سَاتِرَةٌ لَهَا فَإِذَا زَالَتْ الْجَلْدَةُ صَارَ مَا تَحْتَهَا ظَاهِرًا لَا خَارِجًا لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ كَمَنْ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ خَيْمَةٍ مُتَسَتِّرًا بِهِ إذَا رُفِعَ عَنْهُ مَا كَانَ مُتَسَتِّرًا بِهِ يَكُونُ ظَاهِرًا لَا خَارِجًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى خَارِجًا إذَا فَارَقَ الْبَيْتَ أَوْ الْخَيْمَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ جَاوَزَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَلَوْ ثَبَتَ وَصْفُ الْخُرُوجِ لَوَجَبَ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَهُ قَلِيلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ كَثِيرًا، وَلَوَجَبَ عِنْدَنَا إذَا جَاوَزَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَيُسَنُّ إذَا كَانَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ، وَلَمْ يُسَنَّ بِالْإِجْمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي مَحَلِّهَا، وَكَذَا لَوْ أُزِيلَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِقُطْنَةٍ أَوْ بِالْمَسْحِ عَلَى جِدَارٍ لَا يُنْتَقَضُ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ حَصَلَ الِانْفِصَالُ؛ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَعَ الْبُزَاقِ دَمٌ وَالْبُزَاقُ غَالِبٌ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ بَلْ بِقُوَّةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْبُزَاقُ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ نَجَسٌ أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجَسًا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الدَّفْعُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ) ، وَهُوَ التَّأْثِيرُ فَإِنَّمَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَمْ يَصِرْ حُجَّةً بِصِيغَتِهِ أَيْ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ اللَّفْظِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُلَائِمَتُهُ، وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَالَتُهُ، وَإِنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِمَعْنَاهُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ أَيْ يُعْلَمُ وَيُفْهَمُ مِنْ الْوَصْفِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ ظَاهِرًا يَعْنِي ظَاهِرَ لَفْظِهِ لُغَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ كَدَلَالَةِ لَفْظِ الْخُرُوجِ لُغَةً عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَدَلَالَةُ لَفْظِ الْمَسْحِ لُغَةً عَلَى الْإِصَابَةِ.

وَالثَّانِي بِمَعْنَاهُ الثَّابِتِ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ دَلَالَةً، وَهُوَ التَّأْثِيرُ فَإِنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ وَصْفَ الْمَسْحِ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ التَّكْرَارِ وَوَصْفُ الْخُرُوجِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبِيلَيْنِ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ بِمَحَلِّ الطَّهَارَةِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ التَّطْهِيرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ يَعْنِي فِي بَابِ تَفْسِيرِ الْقِيَاسِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الرِّبَا، وَفِي بَابِ رُكْنِ الْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ الْأَثَرُ مَعْقُولٌ مِنْ كُلِّ مَحْسُوسٍ لُغَةً وَعِيَانًا وَمِنْ كُلِّ مَشْرُوعٍ مَعْقُولٍ دَلَالَةً فَكَانَ أَيْ الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>