للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا فِي الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ لَكِنْ مَا قُلْنَاهُ أَبْيَنُ فِي وُجُوهِ الدَّفْعِ وَإِذَا قَامَتْ الْمُعَارَضَةُ كَانَ السَّبِيلُ فِيهِ التَّرْجِيحُ، وَهَذَا.

ــ

[كشف الأسرار]

وَتَكْبِيرَاتُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَذْكَارٌ شُرِعَتْ بِالْجَهْرِ فَيُدْفَعُ بِالْغَرَضِ بِأَنْ يُقَالَ غَرَضُنَا مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يُجْعَلَ الذَّكَرُ سَبَبًا لِشَرْعِ الْمُخَافَتَةِ، وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ التَّأْمِينِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَذْكَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي صُوَرِ النَّقْضِ الْأَصْلُ هُوَ الْإِخْفَاءُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ فِي تِلْكَ الْأَذْكَارِ مَعْنًى زَائِدًا يُوجِبُ الْجَهْرَ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّهَا أَعْلَامٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ دَلَالَاتٌ عَلَى انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ وَعَلَى دُخُولِ، وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّهَا إعْلَامٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ هِيَ إخْبَارٌ وَتَنْبِيهٌ لِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ بِانْتِقَالِهِ إلَى رُكْنٍ آخَرَ وَلِلنَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ أَذَانًا فَذَلِكَ الْمَعْنَى الزَّائِدِ أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْأَذْكَارِ حُكْمًا عَارِضًا عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْرُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إعْلَامًا إلَّا بِصِفَةِ الْجَهْرِ.

فَبِبَيَانِ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ بِالتَّعْلِيلِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا الذِّكْرِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ انْدَفَعَ النَّقْضُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الدَّفْعِ بِالْحُكْمِ بِأَنْ يُقَالَ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ كَوْنُهُ ذِكْرًا يُوجِبُ الْإِخْفَاءَ فِي صُوَرِ النَّقْضِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِمَانِعٍ أَقْوَى وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ عِلَّةٍ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ عِلَّةٍ أُخْرَى يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَكَانَ الْإِخْفَاءُ فِيهَا ثَابِتًا تَقْدِيرًا وَلِهَذَا لَوْ جَهَرَ الْمُقْتَدِي أَوْ الْمُنْفَرِدُ فَقَدْ أَسَاءَ، وَكَذَا لَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فَوْقَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْعِلْمِ فَقَدْ أَسَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْجَهْرِ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الْإِعْلَامِ فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ذِكْرٍ هُوَ الْإِخْفَاءُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَامَ فِي التَّأْمِينِ مَعْنًى آخَرُ يُوجِبُ الْجَهْرَ، وَهُوَ إعْلَامُ الْقَوْمِ أَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ تَأْمِينَ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» أَوْ لَمْ يَكُنْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ مَسْمُوعًا لَمَا صَحَّ تَعْلِيقُ تَأْمِينِ الْقَوْمِ بِهِ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانُوا إذَا أَمَّنُوا سُمِعَ لِتَأْمِينِهِمْ ضَجَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، «وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ، وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْلَامِ بِالْجَهْرِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا، وَلَوْ كَانَ تَأْمِينُهُ مَسْمُوعًا لَاسْتُغْنِيَ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَخْبَارٌ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُحْمَلُ الْجَهْرُ عَلَى التَّعْلِيمِ أَوْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَدَّ حَدِيثَ أَبِي وَائِلٍ فَقَالَ أَشَهِدَ أَبُو وَائِلٍ وَغَابَ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو وَائِلٍ مِنْ الْأَعْرَابِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي التَّأْمِينِ الْإِخْفَاءُ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ فَيَدُلُّ اخْتِلَافُهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بِمَا ذَكَرْنَا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا يَعْنِي أَهْلَ النَّظَرِ مِنْهُمْ فِي بَابِ الدَّفْعِ أَنَّهُ أَيْ الْفَرْعَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ يَعْنِي أَنَّهُمْ إذَا دَفَعُوا النَّقْضَ بِأَنْ قَالُوا إنَّ الْفَرْعَ مَعَ وُرُودِ هَذَا النَّقْضِ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ فَهُوَ الدَّفْعُ بِالْغَرَضِ الَّذِي ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُمْ لَقَّبُوهُ بِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ حُكْمَ أَصْلِهِ وَنَحْنُ لَقَّبْنَاهُ بِالْغَرَضِ؛ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ فِي وَجْهٍ مِمَّا قَالُوا إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ عَدَمَ مُفَارَقَتِهِمَا فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ التَّعْلِيلِ أَوْ فِي وُرُودِ النَّقْضِ عَلَيْهِمَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ وَفِيمَا قُلْنَا بَيَانُ تَسْوِيَتِهِمَا فِي الْغَرَضِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>