مِثَالُهُ مَا قُلْنَا فِي طَوْلِ الْحُرَّةِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحُرَّ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَرِقُّ مَاءَهُ عَلَى غُنْيَةً وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ كَاَلَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَهَذَا وَصْفٌ بَيِّنُ الْأَثَرِ. وَقُلْت: إنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَهْرًا يَصْلُحُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا، وَقَالَ تَزَوَّجْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُهُ الْحُرُّ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
إلَّا بِالتَّأْثِيرِ، وَالتَّفَاوُتُ فِيهِ ثَابِتٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
مِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ مَا قُلْنَا فِي طَوْلِ الْحُرَّةِ أَيْ الْغَنَاءِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الطَّوْلُ الْفَضْلُ يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ طَوْلٌ أَيْ زِيَادَةٌ، وَفَضْلٌ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ إذَا وُجِدَ الطَّوْلُ إلَى الْحُرَّةِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فَعَدَّاهُ بِإِلَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ طَوْلُ الْحُرَّةِ فَمُتَّسِعٌ فِيهِ، أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْحُرُّ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَالِكًا لِمَهْرِ الْحُرَّةِ فَتَزَوَّجَ أَمَةً جَازَ عِنْدَنَا، وَقُيِّدَ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْعَبْدُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُمْنَعُ يَعْنِي لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ أَوْ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِقُّ مَاءَهُ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ عَلَى غُنْيَةً أَيْ حَالِ كَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ إرْقَاقِ جُزْئِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَذَلِكَ أَيْ اسْتِرْقَاقُ الْجُزْءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ كَالْإِهْلَاكِ حُكْمًا إذْ الرِّقُّ فِي الْأَصْلِ عُقُوبَةُ الْكُفْرِ الَّذِي مُوجِبُهُ الْقَتْلُ وَلِهَذَا كَانَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْكَافِرِ الْمَغْنُومِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِرْقَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِدْلَالُ الْجُزْءِ، وَكَانَ حَرَامًا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهِيَ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] .
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي الْأَصْلِ النِّكَاحُ لَا غَيْرُ وَهَذِهِ الشَّهْوَةُ مُرَكَّبَةٌ فِي الطِّبَاعِ فَمَتَى اشْتَهَى، وَهُوَ عَاجِزٌ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَأُبِيحَ لَهُ حَالَ الْعَدَمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِإِصَابَةِ الطَّوْلِ فَيَرْتَفِعُ الْإِبَاحَةُ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ وَفِي قَوْلِهِ عَلَى حُرٍّ احْتِرَازٌ عَنْ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إرْقَاقُ جُزْئِهِ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ فِي نِكَاحِهِ لِلْأَمَةِ إرْقَاقَ جُزْئِهِ الْحُرِّ بَلْ كَانَ امْتِنَاعًا مِنْ تَحْصِيلِ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ لِلْجُزْءِ وَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا وَصْفٌ بَيِّنُ الْأَثَرِ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِرْقَاقَ كَالْإِهْلَاكِ إلَى آخِرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ حَيْثُ يَبْقَى نِكَاحُ الْأَمَةِ صَحِيحًا مَعَ أَنَّ فِيهِ إرْقَاقَ الْوَلَدِ أَيْضًا مَعَ الْغُنْيَةِ؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا السَّبَبَ، وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِرْقَاقِ فِي الْحُرْمَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَيَكُونُ إذًا لِلْبَقَاءِ عَلَى السَّبَبِ حُكْمُ الْبَقَاءِ عَلَى رِقٍّ ثَبَتَ وَالْإِرْقَاقُ ابْتِدَاءً حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفْرِ لَا الْبَقَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا إبَاحَةُ الْعَزْلِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إعْدَامَ الْوَلَدِ أَصْلًا لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ تَضْيِيعَ الْمَاءِ وَالِامْتِنَاعَ مِنْ تَحْصِيلِ الْوَلَدِ وَكَانَ دُونَ التَّسَبُّبِ لِإِهْلَاكِ الْوَلَدِ الْمَوْجُودِ.
وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ عَجُوزًا أَوْ عَقِيمًا أَوْ صَغِيرَةً حَيْثُ لَا يُبَاحُ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ أَمْرٌ يَحْصُلُ بِالْعُلُوقِ مِنْ مَائِهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَقَامَ الْإِرْقَاقِ كَمَا أُقِيمَ النِّكَاحُ مَقَامَ الْوَطْءِ وَالْعُلُوقِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ.
وَقُلْنَا: إنَّهُ أَيْ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَيَمْلِكُهُ الْحُرُّ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ، وَهَذَا قَوِيُّ الْأَثَرِ أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ أَقْوَى أَثَرًا مِنْ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يَصِيرُ بِهَا أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ وَتَمَلُّكِ الْأَشْيَاءِ وَاسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فَكَانَ تَأْثِيرُهَا فِي الْإِطْلَاقِ، وَفَتْحِ بَابِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ النِّعَمِ لَا فِي الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ، وَالرِّقُّ مِنْ أَسْبَابِ تَنْصِيفِ الْحِلِّ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إلَّا نِكَاحَ امْرَأَتَيْنِ لِنُقْصَانِ حَالِهِ بِالرِّقِّ وَالْحُرُّ يَمْلِكُ نِكَاحَ أَرْبَعٍ بِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ فِي النِّصْفِ مِثْلَ الْحُرِّ فِي الْكُلِّ فِي اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ