وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرُ الْأَثَرِ كَمَا فِي اللِّعَانِ وَالْإِيلَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَمُنَافِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ سَابِقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ وُجِدَ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا.
وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْفُرْقَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ فَاتَ شَرْعًا وَجَبَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ وَهُوَ فَوَاتُ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ مُضَافًا إلَى امْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنْ أَدَاءِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي فَوَاتَ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ بِتَحْقِيقٍ بِامْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنْ أَدَاءِ الْإِسْلَامِ لَا بِإِسْلَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الثَّانِي بَقِيَ النِّكَاحُ بِأَغْرَاضِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ إصَابَةُ اسْتِحْقَاقِ الْغُرْبَةِ إلَى الِامْتِنَاعِ الْحَادِثِ لَا إلَى الْإِسْلَامِ الْعَاصِمِ وَكُفْرُ الْبَاقِي حَقًّا لِلَّذِي أَسْلَمَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَوَجَبَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَيْ وَجَبَ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِ الْفُرْقَةِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ وَجَبَ عَلَيْهِ إدْرَارُ النَّفَقَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَائِدَةُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةَ صَارَتْ كَالْمُعَلَّقَةِ بِفَوَاتِ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهِ وَالتَّعْلِيقُ ظُلْمٌ وَتَفْوِيتٌ لِلْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ مُفَوَّضًا إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِإِزَالَةِ الظُّلْمِ وَالْقَاضِي قَدْ وُلِّيَ لِإِزَالَةِ الظُّلْمِ عَنْ النَّاسِ، وَهُوَ أَيْ فَوَاتُ الْأَغْرَاضِ سَبَبٌ لِلْفُرْقَةِ ظَاهِرُ الْأَثَرِ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ تُرَاعَى لِأَحْكَامِهَا فَإِذَا خَلَتْ عَنْهَا وَجَبَ الْقَوْلُ بِإِلْغَائِهَا كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى فَوَاتِ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ مُحَالًا بِهِ عَلَى مَنْ كَانَ فَوَاتُ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ جِهَتِهِ أَمَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي اللِّعَانِ فَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ لَمَّا حَرُمَ بِالتَّلَاعُنِ، وَفَاتَ غَرَضُ النِّكَاحِ بِسَبَبِ فِعْلِ الزَّوْجِ وَهُوَ الرَّمْيُ بَقِيَتْ الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً مَظْلُومَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا حَقُّهَا فَوَجَبَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا بِالتَّفْرِيقِ.
وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ فَإِنَّ الزَّوْجَ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْمُدَّةِ فَجُوزِيَ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ صَارَ الزَّوْجُ ظَالِمًا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَوَجَبَ التَّفْرِيقُ إذَا أَصَرَّ عَلَى الظُّلْمِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُرُمَاتٌ لَا تَدُومُ بَلْ هِيَ بِعَرْضِ الزَّوَالِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَّا الرِّدَّةُ فَمُنَافِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ) يَعْنِي هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْفُرْقَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَافَاةِ لَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْفُرْقَةِ فَثَبَتَ بِالْحُرْمَةِ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ وَلَا قَضَاءِ قَاضٍ كَمَا فِي طُرُوءِ الرَّضَاعِ وَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّا وَجَدْنَا الرِّدَّةَ قَدْ أَبْطَلَتْ النِّكَاحَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُبْطِلَةً وَضْعًا أَوْ بِطَرِيقِ الْمُنَافَاةِ.
وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِشَيْءٍ وَضْعًا لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ غَيْرَ مُبْطِلٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِبْطَالِهِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا كَالْعِتْقِ لَمَّا وُضِعَ لِإِبْطَالِ الْمِلْكِ وَإِزَالَةِ الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ عِتْقًا عِنْدَ عَدَمِ الْإِبْطَالِ وَالْإِزَالَةِ، وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّدَّةَ مُتَحَقِّقَةً غَيْرَ مُبْطِلَةٍ لِلنِّكَاحِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِإِبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْضِعَ لِإِبْطَالِ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ يَكُونُ مَشْرُوعًا لِإِبْطَالِهِ لَا مَحَالَةَ، وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بِوَجْهٍ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِإِبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَقَدْ أَبْطَلَتْ النِّكَاحَ عَلِمْنَا أَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُهُ بِطَرِيقِ الْمُنَافَاةِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِمَوْضُوعَيْنِ لِإِبْطَالِ النِّكَاحِ لِتَحَقُّقِهِمَا فِي غَيْرِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَلَكِنَّهُمَا مُنَافِيَانِ لِلنِّكَاحِ عَلَى مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute