للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا كَذَلِكَ فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ فَأَمَّا ضَمَانُ الْعَقْدِ فَبَابٌ خَاصٌّ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى.

وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْإِشْهَارِ فِي السُّنَنِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي هَذَا الْبَابِ.

ــ

[كشف الأسرار]

حَقٌّ فِيهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ لِوُجُوبِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَكَانَ إيجَابُهُ إبْطَالًا لَهُ أَصْلًا وَالْأَصْلُ، وَهُوَ حَقُّ الْمَظْلُومِ، وَإِنْ عَظُمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصْفِ فَائِتٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إيجَابِ الضَّمَانِ إلَى الضَّمَانِ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَكَانَ عَدَمُ إيجَابِهِ تَأْخِيرًا لَا إبْطَالًا، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فِي الضَّرَرِ فَكَانَ أَوْلَى مَعَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْحَقِّ بِالْعُذْرِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] ، وَتَأْخِيرُ الْحُقُوقِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ أَصْلٌ فَإِنَّهَا دَارُ الْجَزَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

وَهَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ الْمُمَاثَلَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ اشْتِرَاطِهَا هَاهُنَا أَوْ اشْتِرَاطُهَا هَاهُنَا مِثْلُ اشْتِرَاطِهَا فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ يَعْنِي مَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ رِعَايَةِ شَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ لَيْسَ بِوَصْفٍ خَاصٍّ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالضَّمَانِ فَأَمَّا ضَمَانُ الْعَقْدِ فَبَابٌ خَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ مُخْتَصًّا بِالْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَلَا يَكُونُ ثَبَاتُهُ عَلَى الْحُكْمِ مِثْلَ ثَبَاتِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ عَنْ الْعَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْقِيمَةِ إيجَابُ زِيَادَةٍ بِالْفَتْوَى وَنِسْبَةُ جَوْرٍ إلَى الشَّرْعِ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَةُ عَدْلٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ لِكُلِّ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ قِيمَةَ مِثْلٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا يُوصَلُ إلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَهِيَ الْوَاجِبَةُ بِالْفَتْوَى إلَّا أَنَّهُ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى الْوُسْعِ قُلْنَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ أَدْنَى تَفَاوُتٍ فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَالتَّفَاوُتُ فِي أَصْلِ الْوَاجِبِ لَا فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ عَلَى إبْرَاءِ الدَّيْنِ إذَا رَجَعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْدَ، وَلَهُ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَيْنًا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنُ دِينًا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ فَضْلٍ.

وَأَمَّا مَا اُعْتُبِرَ مِنْ تَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَظْلُومِ فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يُظْلَمُ، وَلَكِنْ يُنْتَصَفُ مِنْهُ مَعَ قِيَامِ حَقِّهِ فِي مِلْكِهِ فَلَوْ لَمْ يُوجَبْ الضَّمَانُ سَقَطَ حَقُّ الْمَظْلُومِ لَا بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَيْنَا وَعِنْدَ إيجَابِ الضَّمَانِ سَقَطَ حَقُّ الظَّالِمِ فِي الْوَصْفِ بِمَعْنًى مُضَافٍ إلَيْنَا، وَهُوَ أَنَّا نُلْزِمُهُ إذًا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَيْهِ، وَمُرَاعَاةُ الْوَصْفِ فِي الْوُجُوبِ كَمُرَاعَاةِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ التَّفَاوُتَ فِي الْوَصْفِ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الْقِصَاصِ كَالصَّحِيحَةِ مَعَ الشَّلَّاءِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَظْلُومِ، وَإِلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْأَصْلِ عَلَى الْوَصْفِ فَعَرَفْنَا أَنَّ قُوَّةَ الثَّبَاتِ فِيمَا قُلْنَا، كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ) مَعْنَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ أَنْ يَشْهَدَ لِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ أَصْلَانِ أَوْ أُصُولٌ فَيُرَجَّحُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ مِثْلُ وَصْفِ الْمَسْحِ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ فَإِنَّهُ لَمَّا شَهِدَ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ، وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَشْهَدْ لِصِحَّةِ وَصْفِ الْخَصْمِ، وَهُوَ الرُّكْنِيَّةُ إلَّا الْغَسْلُ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ ثُمَّ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ فِي الْقِيَاسِ بِمَنْزِلَةِ كَثْرَةِ الرُّوَاةِ فِي الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ لَا يَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ.

فَكَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ أَصْلٍ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ هِيَ الْوَصْفُ الْمُؤْثِرُ، الْأَصْلَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنْهُ لَكِنْ كَثْرَةُ الْأُصُولِ يُوجِبُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَلُزُومٍ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شِدَّةِ التَّأْثِيرِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ فَيَحْدُثُ بِهَا قُوَّةٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>