وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهَا ثَيِّبٌ تُرْجَى مَشُورَتُهَا فَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِرَأْيٍ حَاضِرٍ أَمْ بِرَأْيٍ مُسْتَحْدَثٍ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ وَأَمَّا الْمُسْتَحْدَثُ فَلَا يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا قُلْنَا لَهُ: عِنْدَنَا لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَلِيِّ رَأْيُهَا فَإِنْ قَالَ: بِأَيِّهِمَا كَانَ انْتَقَضَ بِالْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا رَأْيًا مُسْتَحْدَثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لَا مَحَالَةَ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذًا لَا يَجِدُ الْمُعَلِّلُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُجَازَفَةَ بِالْمُجَازَفَةِ فِي الْمِعْيَارِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَإِذَا فَسَّرَهَا بِهَا لَمْ نُسَلِّمْ فِي وُجُودِهَا بَيْعَ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ؛ لِأَنَّ التُّفَّاحَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ كَيْلِ الْمِعْيَارِ وَالْمُجَازَفَةُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ لَا تُتَصَوَّرُ فَقَدْ أَدَّى الِاسْتِفْسَارُ إلَى الْمُمَانَعَةِ فِي الْوَصْفِ فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ بَعْدَ الِاسْتِفْسَارِ وَالْمُمَانَعَةِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحُرْمَةُ فِي بَيْعِ الْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ؛ لِأَنَّ الطُّعْمَ عِنْدَهُ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ وَالْمُسَاوَاةُ كَيْلًا مُخَلِّصٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فَفِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ قَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَالشَّرْطُ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُخَلِّصُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِمَا كَيْلًا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ الْمُسَاوَاةُ بِالْفَصْلِ عَلَى أَحَدِ الْكَيْلَيْنِ وَعِنْدَنَا الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ جَوَازُ الْعَقْدِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ فَضْلٍ هُوَ حَرَامٌ وَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى الْمِعْيَارِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمِعْيَارِ إذْ الْفَضْلُ يَكُونُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُسَاوَاةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِعْيَارِ أَصْلًا فَيَجُوزُ بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا نُسَلِّمُ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِهَا يَقَعُ الْمُخَلِّصُ عَنْ فَضْلٍ هُوَ رِبًا وَلَا يَزُولُ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا إلَّا فَضْلٌ عَلَى الْكَيْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُجَازَفَةِ كَيْلًا لَا بِمُطْلَقِ الْمُجَازَفَةِ.
أَوْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ الطَّعْمُ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجْعَلُ الطَّعْمَ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْبَيْعِ فِي الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ فَوَاتِ التَّسَاوِي كَيْلًا مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ أَيْ التَّسَاوِيَ فِي الْكَيْلِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَازُ لَا يُعْدَمُ إلَّا الْفَضْلَ عَلَى الْمِعْيَارِ أَيْ لَا يَقْتَضِي إلَّا الِاحْتِرَازَ عَنْ الْفَضْلِ عَلَى الْمِعْيَارِ فَكَانَ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ مُطْلَقَةً فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّصِّ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ مُمَانَعَةُ الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ كَذَا الْوَلِيُّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عِنْدَنَا كَمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجَهَا أَصْلًا حَتَّى تَبْلُغَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا زَالَتْ بِالثِّيَابَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ فَحِينَئِذٍ يُزَوِّجُهَا بِمَشُورَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّيِّبُ مَجْنُونَةً يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً.
فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي تَزْوِيجِهَا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ قَالُوا هَذِهِ ثَيِّبٌ يُرْجَى مَشُورَتُهَا وَاحْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّ مَشُورَتَهَا لَا تُرْجَى فِي الْغَالِبِ فَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ النَّائِمَةِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا وَالْغَائِبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ حَاضِرٍ أَمْ بِرَأْيٍ مُسْتَحْدَثٍ أَيْ تُرِيدُونَ بِقَوْلِكُمْ لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا رَأَيَا قَائِمًا فِي الْحَالِ أَوْ رَأْيًا سَيَحْدُثُ فَإِنْ أَرَدْتُمْ الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّغِيرَةُ إذْ لَيْسَ لَهَا رَأْيٌ قَائِمٌ فِي الْحِلِّ لَا فِي الْمَنْعِ وَلَا فِي الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَزْوِيجَهَا لَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بِرَأْيِهَا وَبِدُونِ رَأْيِهَا وَمَنْ جَوَّزَ الْعَقْدَ فَكَذَلِكَ لَمْ يَفْصِلْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا رَأْيٌ قَائِمٌ.
وَإِنْ عَنَيْتُمْ الثَّانِيَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ؛ لِأَنَّ لَهَا رَأْيًا قَائِمًا لَا مُسْتَحْدَثًا وَلِهَذَا كَانَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا بِمَشُورَتِهَا فِي الْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا أَيْضًا عِنْدَنَا فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةً لِنَفْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute