وَعِنْدَ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ.
وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ إمَامَةِ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَقَدْ يَكُونُ الْخَلَفُ ضَرُورِيًّا وَهُوَ التُّرَابُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ إذَا خِيفَ فَوْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ فَصَلَّى، ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى لَمْ يُعِدْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَعَادَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
مَعَهُ مَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْمَاءِ لَا تُغَيِّرُ وَلَا حَالَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لَمْ يَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبِنَاءِ كَمَا إذَا لَمْ يَقْدِر عَلَى الْمَاءِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لَمَّا قَدَرَ الْمُقْتَدِي عَلَى الْمَاءِ كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي زَعْمِهِ فَلَمْ يَصْلُح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ مُخْطِئٌ فِي تَحَرِّيهِ لِلْقِبْلَةِ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً فِي نَفْسِهَا وَكَالصَّحِيحِ يَقْتَدِي بِصَاحِبِ الْجُرْحِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ لَيْسَتْ بِطَهَارَةٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقْتَدِي الْمُتَوَضِّئُ قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي جَمِيعًا فَكَانَ الصَّعِيدُ طَهُورًا فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ اسْتَغْنَى عَنْهُ لِكَوْنِهِ عَلَى طُهْرٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْدَثَ الْمُقْتَدِي جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فَكَانَتْ طَهَارَةُ الْإِمَامِ طَهَارَةً فِي حَقِّهِ فَصَلُحَ إمَامًا لَهُ.
١ -
وَمِثَالُهُ قَوْمٌ بِهِمْ جُرُوحٌ سَائِلَةٌ أَمَّهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَالَ مِنْهُ الدَّمُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَسِلْ مِنْ الْبَاقِينَ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فِي الْوَقْتِ مِنْهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الَّذِي مَنَعَ الدَّمَ أَنْ يَكُونَ حَدَثًا ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ صَلَّوْا صَلَاتَهُمْ بِطَهَارَةٍ صَحِيحَةٍ لَا دَمَ بَعْدَهَا هَكَذَا ذَكَرَ قَوْلُ زُفَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ.
وَسِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ هَاهُنَا حَيْثُ ضَمَّ زُفَرَ إلَى مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَلَعَلَّهُ ظَفِرَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ قَوْلُهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَوْرَدَ قَوْلَهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَيَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَؤُمُّ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِلَا خِلَافٍ فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ مَعَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَيْهِمَا مُتَنَاقِضَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى كَانَ ذِكْرُ زُفَرَ هَاهُنَا سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ قَوْلُهُ (وَقَدْ يَكُونُ الْخَلَفُ) أَيْ هَذَا الْخَلَفُ الَّذِي هُوَ مُطْلَقٌ وَهُوَ التُّرَابُ أَوْ التَّيَمُّمُ ضَرُورِيًّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ يَعْنِي شَرْطُ ثُبُوتِهِ عَدَمُ الْأَصْلِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ ضَرُورَةُ الِاحْتِرَازِ عَنْ فَوْتِ الصَّلَاةِ بِأَنْ فَاتَتْ أَصْلًا إلَى بَدَلٍ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ إذَا خِيفَ فَوْتُهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَكَذَلِكَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الصَّلَاةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَمَعَ وُجُودِهِ لَا يَكُونُ طَهَارَةً وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ.
إلَّا أَنَّا نَقُولُ: إنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُقْضَى وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالظِّهَارُ بِالْمَاءِ شُرِعَتْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا خَافَ الْفَوْتَ أَصْلًا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ صَارَ عَادِمًا لِلْمَاءِ فِي حَقِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ قَطُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَأُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ خَافَ عَطَشًا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَبِخِلَافِ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ فَإِنَّ النَّاسَ وَإِنْ صَلَّوْا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا فَجَأَتْك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute