بِخِلَافِ مَسِّ السَّمَاءِ وَسَائِرِ الْإِبْدَالِ فَإِنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ احْتِمَالِ وُجُودِ الْأَصْلِ أَكْثَرَ وَالْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْلِ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُهَا فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَشْهُودِ بِقَتْلِهِ إذَا جَاءَ حَيًّا وَقَدْ قُتِلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَاخْتَارَ الْوَلِيُّ تَضْمِينَ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ التَّعَدِّي وَالضَّمَانُ وَالْمَضْمُونُ وَهُوَ الدَّمُ مُحْتَمَلٌ لِلْمِلْكِ فِي الشَّرْعِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ مِثْلُ مَسِّ السَّمَاءِ فَعُمِلَ فِي بَدَلِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ كَمَا قِيلَ فِي غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا مَاتَ الْمُدَبَّرُ عِنْدَ الثَّانِي أَوْ أَبَقَ إنَّ الْأَوَّلَ إذَا ضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ
ــ
[كشف الأسرار]
لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْوُجُودَ؛ لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبُهُ لِمَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ أَيْ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ فَإِنَّهَا لَمَّا انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ لِمُصَادَفَتِهَا مَحَلَّ الْبِرِّ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْخَلَفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَسَائِرُ الْأَبْدَالِ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالتَّيَمُّمِ وَالْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ احْتِمَالِ وُجُودِ الْأَصْلِ لِثُبُوتِ الْخَلَفِ.
وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُهَا أَيْ بَيَانُ بَعْضِهَا فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ لَمَّا صَلُحَ مُوجِبًا لِلْأَدَاءِ صَلُحَ مُوجِبًا لِمَا هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ؛ وَلِأَنَّ الْخَلَفَ يَثْبُت عِنْدَ احْتِمَالِ وُجُودِ الْأَصْلِ وَإِنْ بَعُدَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى آخِرِهِ إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ وَالْوَلِيُّ جَمِيعًا أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الشُّهُودُ الدِّيَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهَا الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُتْلِفٌ لِلْمَقْتُولِ حَقِيقَةً وَالشُّهُودُ مُتْلِفُونَ لَهُ حُكْمًا وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ مِثْلُ الْإِتْلَافِ الْحَقِيقِيِّ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ اخْتَارَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ تَضْمِينَ الْقَاتِلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشُّهُودِ بِشَيْءٍ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الشُّهُودِ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْقَاتِلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ أَيْ لَهُمْ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَاتِلِ إنْ شَاءُوا؛ لِأَنَّهُمْ ضَمِنُوا بِشَهَادَتِهِمْ وَقَدْ كَانُوا عَامِلِينَ فِيهَا لِلْوَلِيِّ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ وَاسْتَوْفَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا وَضَمِنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَتَعْلِيلُ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ إلَى آخِرِهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا يَرْجِعُونَ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَابِلًا لِلْمِلْكِ فَيَمْلِكُونَهُ بِالضَّمَانِ فَيَرْجِعُونَ بَعْدَمَا صَارَ مِلْكًا لَهُمْ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَهَاهُنَا الْمَشْهُودُ بِهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ فَقَالَ: لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ أَيْ مِلْكِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلشُّهُودِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ التَّعَدِّي بِالشَّهَادَةِ كَذِبًا.
وَالضَّمَانُ أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ أَوْ أَدَاءُ الضَّمَانِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا وَالْمَضْمُونُ وَهُوَ الدَّمُ مُحْتَمِلٌ لِلْمِلْكِ أَيْ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الشَّرْعِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَيْ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ تَمَلُّكُهُ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَوْ وَرَدَ بِتَمَلُّكِ الدَّمِ لَا يَسْتَحِيلُهُ الْعَقْلُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ حَتَّى كَانَ لَهُ وِلَايَةُ إهْلَاكِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَوِلَايَةُ إبْقَائِهِ بِالْعَفْوِ كَالْعَبْدِ كَانَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ إبْقَائِهِ فِي مِلْكِهِ وَوِلَايَةُ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ السَّبَبُ وَهُوَ الضَّمَانُ الَّذِي لَزِمَهُمْ بِتَعَدِّيهِمْ مُنْعَقِدَ الْمِلْكِ الْمَضْمُونِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَلَكِنْ تَعَذُّرَ الْعَمَلُ بِهِ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ حَقِيقَةً فَعَمِلَ أَيْ السَّبَبُ فِي بَدَلِ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الدِّيَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ كَمَا قِيلَ فِي غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْغَاصِبِ إنَّ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ إذَا ضَمِنَ رَجَعَ بِهِ أَيْ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ الْمُدَبَّرَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ التَّعَدِّي وَالضَّمَانُ قَدْ وُجِدَ وَالْمُدَبَّرُ مُحْتَمِلٌ لِلْمِلْكِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَوْ وَرَدَ بِهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا فَيَنْعَقِدُ السَّبَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute