إذَا صَحَّتْ بِالدَّلَالَةِ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَاضُ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِنَفْسِ الدَّلَالَةِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجِرَاحَةِ فَسَيَأْتِي فِيهَا لِمَعْرِفَةِ قَرَارِهَا فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةِ عُدْوَانٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِالْبُعْدِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَلْ مَا لِعِصْمَةِ وَدَفْعِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ دَلَالَةُ الْمُودَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةُ خِيَانَةٍ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْحِفْظِ بِالتَّضْيِيعِ فَصَارَ ضَامِنًا بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ أَنْ يَضْمَنَ بِفِعْلِ الْمَدْلُولِ مُضَافًا إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ وَكَانَ حُكْمُ الْمُحْرِمِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ حُكْمُ الْمُودَعِ وَكَأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بَقَاءِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ.
ــ
[كشف الأسرار]
أَيْ مُبَاشَرَةُ جِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ يَزُولُ بِهَا عَنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ أَمِنَ بِبُعْدِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَتَوَارِيهِ عَنْ أَعْيُنِهِمْ وَأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ الْأَمْنَ لِلصَّيْدِ عَنْهُ فَصَارَ الدَّالُّ جَانِيًا بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ عَنْهُ بِالدَّلَالَةِ فَيَضْمَنُ
إذَا صَحَّتْ الدَّلَالَةُ أَيْ وُجِدَتْ شَرَائِطُهَا وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ قِبَلِهِ بِدَلَالَتِهِ فَكَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءً
وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَدْلُولُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ وَأَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَكُونَ الدَّالُّ مُحْرِمًا عِنْدَ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَقْتَ الدَّلَالَةِ وَحَلَّ وَقْتَ الْقَتْلِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْقَتْلِ فَيُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْقَتْلِ
وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَالَ أَيْ الدَّلَالَةَ، جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ جِنَايَةً بِنَفْسِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى قَتْلِ الْمَدْلُولِ الصَّيْدَ فَقَالَ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَاضُ وَالْإِبْطَالُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَوَارَى الصَّيْدُ عَنْ الْمَدْلُولِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَعُودَ آمِنًا كَمَا كَانَ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ أَوْ رَمَاهُ فَلَمْ يُصِبْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَكَانَ ذَلِكَ أَيْ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ إلَى الِاسْتِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الْجِرَاحَةِ فَيَسْتَأْنِي فِيهَا أَيْ يَنْتَظِرُ مَآلَ أَمْرِهَا لِمَعْرِفَةِ قَرَارِهَا فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ انْدِمَالَهَا بِالْبُرْءِ مُتَوَهَّمٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ وَهُوَ كَالْمُضَارِبِ إذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي بَلَدِ كَذَا فَجَاوَزَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِنَفْسِ الْمُجَاوَزَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِقَاضِ بِالْمُعَاوَدَةِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَإِذَا انْصَرَفَ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَأَكَّدُ الضَّمَانُ كَذَا هَاهُنَا
فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِ النَّاسِ فَلَيْسَتْ بِنَفْسِهَا بِمُبَاشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِالْبُعْدِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَأَعْيُنِهِمْ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ وَالدَّالُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ جَانِيًا بِإِزَالَتِهِ الْحِفْظَ بِدَلَالَتِهِ فَبَقِيَتْ دَلَالَتُهُ سَبَبًا مَحْضًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ دَلَالَةُ الْمُودَعِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا فَإِنَّ دَلَالَةَ الْمُودَعِ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ سَبَبٌ مَحْضٌ كَدَلَالَةِ غَيْرِ الْمُودَعِ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّلَفِ ثُمَّ إنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الدَّالِّ بِالِاتِّفَاقِ فَقَالَ هُوَ ضَامِنٌ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَالِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْحِفْظِ وَتَضْيِيعِهِ إيَّاهَا فَكَانَ ضَامِنًا بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ التَّسْبِيبِ مُضَافًا إلَيْهِ أَيْ إلَى الدَّالِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ أَيْ مُوجِبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَأَمْنِهِ عَنْهُ كَالْمُودَعِ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَكَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ يَعْنِي لَوْ دَلَّ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَقُتِلَ بِدَلَالَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ الدَّالُّ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ الدَّالُّ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ لِيَسْرِقَهُ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْحَرَمَ مَأْمَنًا آمِنًا لِاسْتِينَاسِ زُوَّارِ الْبَيْتِ وَمُجَاوِرِيهِ لِيَبْقَى مَعْمُورًا إلَى آخِرِ الدَّهْرِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ وَزِيَارَتِهِمْ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْأَمْنِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الصَّيْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ عِمَارَةِ الْحَرَمِ وَزِينَتِهِ فَأَشْبَهَ تَعَرُّضُ الصَّيْدِ فِيهِ إتْلَافَ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِتْلَافَ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّمَانَ الْوَاجِبَ فِيهِ ضَمَانُ الْمَحَلِّ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ الْجَانِي وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِالْإِحْرَامِ جَزَاءُ الْفِعْلِ حَتَّى تَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ الْجَانِي مَعَ إيجَادِ الْمَحَلِّ كَالْجَزَاءِ الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ عَمْدًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَتْ دَلَالَتُهُ سَبَبًا مَحْضًا كَدَلَالَةِ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute