. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
يَخْرُجُ أَنَّ كُلَّ اسْمِ فَاعِلٍ، وَقَوْلُهُ دَلَّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً صِفَةٌ لِفَاعِلٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ إذَا جُعِلَ عَلَمًا مِثْلُ الْحَارِثِ وَالْقَاسِمِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدُ خَبَرَانِ.
(فَإِنْ قِيلَ) فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُ فِي لَمْ يَحْتَمِلْ إنْ جُعِلَ رَاجِعًا إلَى كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ لَمْ يَبْقَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ نَفْيُ الْقَطْعِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ؛ وَإِنْ جُعِلَ رَاجِعًا إلَى الْمَصْدَرِ لَا يَخْلُو التَّرْكِيبُ عَنْ نَوْعِ خَلَلٍ إذْ الْخَبَرُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا بِهِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ اسْمُ إنَّ هَهُنَا وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى الْمَصْدَرِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ (قُلْنَا) دَأَبَ الْمَشَايِخُ النَّظَرَ إلَى الْمَعْنَى لَا إلَى التَّرْكِيبِ كَذَا سَمِعْت عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ مَوْلَانَا حَافِظِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَمَّا كَانَ بِنَاءُ الْبَابِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ نَفْيُ احْتِمَالِ الْعَدَدِ عَنْ الْمَصْدَرِ لَا عَنْ الْفَاعِلِ وَصَارَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ أَنَّ كُلَّ مَصْدَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ فَاعِلٍ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ كَالْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ بِالْوَاوِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْخَبَرُ قَوْلَهُ دَلَّ عَلَى الْمَصْدَرِ وَلَا يُرَادُ السُّؤَالُ، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْمَصْدَرُ الثَّابِتُ بِلَفْظِ السَّارِقِ الْعَدَدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ إلَّا الْأَيْمَانُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُلُّ أَوْ الْأَقَلُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ السَّرِقَاتِ الَّتِي تُوجَدُ مِنْهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِآخِرِ الْعُمْرِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُقْطَعَ؛ وَإِنْ سَرَقَ أَلْفَ مَرَّةٍ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ الَّذِي فَعَلَ سَرِقَةً وَاَلَّتِي فَعَلَتْ سَرِقَةً {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنْ يَقْطَعَ الْيَدَانِ جَمِيعًا بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْآيَةِ قَطْعُ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ سَارِقٍ وَسَارِقَةٍ.
ثُمَّ هَذِهِ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِالسُّنَّةِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ قَطْعَ الْيُمْنَى مُرَادٌ بِالْآيَةِ فَلَمْ يَبْقَ قَطْعُ الْيُسْرَى مُرَادًا بِهَا ضَرُورَةً فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ حَتَّى قُلْنَا إلَى آخِرِهِ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْعَدَدِ كَمَا زَعَمَ الْخَصْمُ لَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ قَطْعُ الْيُسْرَى بِالْآيَةِ كَالْيُمْنَى وَصَارَ التَّقْدِيرُ الَّذِي سَرَقَ سَرِقَاتٍ وَاَلَّتِي سَرَقَتْ سَرِقَاتٍ فَاقْطَعُوا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَدًا، وَذَكَرَ فِي طَرِيقِهِ الْخِلَافَ لِلْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَمَّا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ السَّرِقَةَ إنَّمَا ذَكَرَ اسْمَ السَّارِقِ وَهَذَا يَقْتَضِي السَّرِقَةَ وَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا سَرِقَةً وَاحِدَةً وَبِالْإِجْمَاعِ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ مَعْمُولًا بِهَا لَقُطِعَتْ الْيَدَانِ كِلَاهُمَا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الْمَذْكُورَةَ جَزَاءُ جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْجَلْدِ مِائَةً فِي الزِّنَا وَأَجْمَعْنَا أَنَّ بِالسَّرِقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الْيَمِينُ عَرَفْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْيَمِينَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ثَبَتَ تَكَرُّرُ الْجَلْدِ بِتَكَرُّرِ الزِّنَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الزِّنَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ وَالْعَدَدُ كَمَا قُلْتُمْ فِي السَّرِقَةِ فَلْيَكُنْ السَّرِقَةُ كَذَلِكَ (قُلْنَا) قَدْ ثَبَتَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَصْدَرَ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ فَالزِّنَا عِلَّةٌ وَالْجَلْدُ حُكْمُهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْبَدَنُ، فَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِلَّةٌ لِلْقَطْعِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ حُكْمَهَا الثَّابِتُ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيَمِينِ وَبِقَطْعِهَا مَرَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute