للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ وَرَدِّهِ فَيَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا وَإِذَا هَلَكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ فَيَصِيرُ بِهِ قَاضِيًا وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ النَّفَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنَاقُضَ فِي حُجَجِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ كَذَا قِيلَ.

قَوْلُهُ (وَالْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ) أَيْ عَيْنِهِ، بِالْأَمْرِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ لَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَيْ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْأَمْرِ، وَإِضَافَةُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَمْرِ تَوَسُّعٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بَعْدُ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ لَمَّا عُلِمَ بِالْأَمْرِ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ تَسْلِيمَ الْمُؤَقَّتِ فِي وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَسْلِيمَ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ كَالزَّكَاةِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَقْبَلُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا (قُلْنَا) لَمَّا شَغَلَ الشَّرْعُ الذِّمَّةَ بِالْوَاجِبِ ثُمَّ أَمَرَ بِتَفْرِيغِهَا أَخَذَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حُكْمَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَأَنَّهُ عَيْنُهُ، أَوْ يُقَالُ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ غَيْرُ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ إذْ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ فِعْلُ الصَّلَاةِ أَوْ إيتَاءُ رُبْعِ الْعُشْرِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مَثَلًا، وَهُوَ مُمْكِنُ التَّسْلِيمِ فَأَمَّا الْوَصْفُ الشَّاغِلُ لِلذِّمَّةِ فَحَاصِلٌ بِالسَّبَبِ لَا بِالْأَمْرِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ إضَافَةُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَمْرِ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ بَلْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَذَا قِيلَ.

قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ) أَيْ بِالْأَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مِثْلَ الْوَاجِبِ مِنْ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ الْقَضَاءُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِمِثْلِ مَنْ عِنْدَ الْمَأْمُورِ هُوَ حَقُّهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَيْضًا.

وَلَا بُدَّ مِنْهُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُورِ لَا يَكُونُ قَضَاءً؛ وَإِنْ كَانَ مِثْلًا لِلْوَاجِبِ فَإِنَّ مَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ الْغَيْرِ إلَى دَيْنِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ صَرَفَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ أَوْ ظُهْرَ الْيَوْمِ إلَى ظُهْرِ الْأَمْسِ بِأَنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الظُّهْرُ قَضَاءً عَنْ الْفَائِتِ لَا يَصِحُّ؛ وَإِنْ كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَائِتِ أَقْوَى مِنْهَا بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَائِتِ بِكَوْنِهَا ثَابِتَةً بَيْنَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَبَيْنَ النَّفْلِ وَالظُّهْرِ ذَاتًا لَا وَصْفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَكَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ هُوَ حَقُّهُ احْتِرَازًا عَنْ الْوَدِيعَةِ وَلِهَذَا اُخْتِيرَ فِي الْمُنْتَخَبِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ) أَيْ يُزَادُ عَلَيْهِ قِسْمٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ فَيَصِيرُ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ قِسْمَيْنِ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَسْلِيمُ عَيْنِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ الْأَدَاءُ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ كَالْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ كَالنَّفْلِ وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَيْضًا فَقَالَ الْأَدَاءُ عَلَى نَوْعَيْنِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ وَكِلَاهُمَا مُوجِبُ الْأَمْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقَسِمَ الْأَدَاءُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ وَتَسْلِيمُ الْمَنْدُوبِ وَتَسْلِيمُ الْمُبَاحِ إذْ الْكُلُّ مُوجِبٌ لِلْآمِرِ عِنْدَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَالتَّعْرِيفُ الشَّامِلُ لِلْقِسْمَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأَدَاءُ اسْمٌ لِفِعْلِ مَا طُلِبَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ. وَإِنْ جُعِلَ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الثَّابِتِ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ يَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ أَيْضًا، وَالشَّامِلُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ هُوَ مَا يُقَالُ الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ احْتِرَازٌ عَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>