للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجَبَ حَبْسُ أَمْوَالِهِمْ زَجْرًا لَهُمْ وَلَمْ نَمْلِكْ أَمْوَالَهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّارِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِحُكْمِ الدِّيَانَةِ مُخْتَلِفَةٌ فَثَبَتَتْ الْعِصْمَةُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْإِسْلَامُ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ وَلَمْ يَجِبْ الْمِلْكُ بِالشُّبْهَةِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمَنَعَةُ مُتَبَايِنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَبَطَلَتْ الْعِصْمَةُ لَنَا فِي حَقِّهِمْ وَلَهُمْ فِي حَقِّنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ جَهِلَ مِنْ خَالَفَ فِي اجْتِهَادِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وَأَئِمَّةِ الْفِقْهِ أَوَعَمِلَ بِالْغَرِيبِ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ فَمَرْدُودٌ بَاطِلٌ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَصْلًا مِثْلُ الْفَتْوَى بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَمِثْلُ الْقَوْلِ بِالْقِصَاصِ فِي الْقَسَامَةِ وَمِثْلُ اسْتِبَاحَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى هَذَا يُبْتَنَى مَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يَنْفُذُ

ــ

[كشف الأسرار]

مُوَرِّثِهِ الْعَادِلِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْعَادِلِ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حُكْمِ سُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَكِنْ لَمَّا انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِانْضِمَامِ الْمَنَعَةِ إلَى التَّأْوِيلِ جُعِلَ الْفَاسِدُ مِنْ التَّأْوِيلِ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَكَذَا فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (وَوَجَبَ حَبْسُ الْأَمْوَالِ) أَيْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْبَغْيِ وَعُقُوبَةً كَمَا وَجَبَ قَتْلُ نُفُوسِهِمْ. فَإِذَا تَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ وَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُتَمَلَّكْ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْإِحْرَازِ فِيهَا. وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِيلَاءِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَتِمَّ بِالْإِحْرَازِ بِدَارٍ تُخَالِفُ دَارَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ دَارَ الْفِئَتَيْنِ وَاحِدَةٌ. وَقِيلَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْجَمَلِ أَلَا تَقْسِمُ بَيْنَنَا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا قَالَ فَمَنْ يَأْخُذُ مِنْكُمْ عَائِشَةُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِبْعَادًا لِكَلَامِهِمْ وَإِظْهَارًا لِخَطَئِهِمْ فِيمَا طَلَبُوا وَقَدْ جَمَعَ مَا أَصَابَ مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فِي رَحْبَةِ الْكُوفَةِ فَمَنْ كَانَ يَعْرِفُ شَيْئًا أَخَذَهُ. وَهِيَ بِحُكْمِ الدِّيَانَةِ مُخْتَلِفَةٌ حَيْثُ اعْتَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنَّ دِمَاءَهُمْ مُبَاحَةٌ وَقَدْ غَلَبُوا عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَعَلُوهَا دَارَ الْحَرْبِ حَيْثُ لَزِمَنَا مُحَارَبَتُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ جَهْلِ الْبَاغِي وَصَاحِبِ الْهَوَى جَهْلُ مَنْ خَالَفَ فِي اجْتِهَادِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ مِثْلُ الْفَتْوَى بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. كَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَدَاوُد الْأَصْبَهَانِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ يَقُولُونَ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَمَسِّكِينَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ «جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَبِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ لِلْبَيْعِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَعْلُومَةٌ فِيهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَرْتَفِعُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِالشَّكِّ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِدَلَالَةِ الْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ عَلَيْهِ مِثْلُ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَارِيَةَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» .

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ» . وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى الْمِنْبَرِ إلَّا أَنَّ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَرَامٌ وَلَا رِقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا وَقَدْ تَلَقَّاهَا الْقَرْنُ الثَّانِي بِالْقَبُولِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا فَكَانَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ فَكَانَ مَرْدُودًا. وَمِثْلُ الْقَوْلِ بِالْقِصَاصِ فِي الْقَسَامَةِ. إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَلَا يُدْرَى قَاتِلُهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عِنْدَنَا وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِحَالٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ لَوَثٌ وَهُوَ مَا يَغْلِبُ بِهِ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي وَالسَّامِعِ صِدْقُ الْمُدَّعِي يُؤْمَرُ الْوَلِيُّ بِأَنْ يُعَيِّنَ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِذَا حَلَفَ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْقَاتِلِ.

مُتَمَسِّكِينَ فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الَّذِي وُجِدَ فِي خَيْبَرَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» الْحَدِيثُ أَيْ دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ. وَحُجَّةُ مَنْ أَبَى وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>