للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةِ وَالِدِهِ وَظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ فَيَصِيرُ الْجَهْلُ وَالتَّأْوِيلُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ شُبْهَةً فِي الْحُدُودِ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَكَذَلِكَ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَدَخَلَ دَارَنَا فَشَرِبَ الْخَمْرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يُحَدَّ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِحُرْمَتِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يَصِيرُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ) بَيَانُ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ أَيْ الِاشْتِبَاهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ الدَّارِئَةَ لِلْحَدِّ نَوْعَانِ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ مِنْ الِاشْتِبَاهِ.

وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الدَّلِيلِ وَالشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ فَالْأَوْلَى هِيَ أَنْ يَظُنَّ الْإِنْسَانُ مَا لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحِلِّ دَلِيلًا فِيهِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُوجَدَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ مَعَ تَخَلُّفِ حُكْمِهِ عَنْهُ لِمَانِعٍ اتَّصَلَ بِهِ وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ فَمِنْ هَذَا الْقَسَمِ مَا لَوْ وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهُوَ قَائِمٌ فَلَا يَفْتَرِقُ فِي الْحَالِ بَيْنَ الظَّنِّ وَعَدَمِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا إذَا وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ وَجَارِيَةَ أُمِّهِ أَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الزِّنَا قَدْ تَقَرَّرَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا عَلِمْنَا بِالْحُرْمَةِ يَلْزَمُهُمَا الْحَدُّ فَلَوْ سَقَطَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالظَّنِّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا كَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ تَمَكَّنَتْ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ لِزَوْجٍ.

وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ وَلِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُ فَرُبَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَنَّ حَالَ جَارِيَتِهَا كَحَالِهَا وَكَذَا فِي جَارِيَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يَشْتَبِهُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَّصِلَةٌ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْمَنَافِي دَائِرَةٌ وَالْوَلَدُ جُزْءُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَرُبَّمَا يَشْتَبِهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ حَلَالًا لِلْأَصْلِ تَكُونُ حَلَالًا لِلْجُزْءِ أَيْضًا فَيَصِيرُ الْجَهْلُ أَيْ الْجَهْلُ بِالْحُرْمَةِ وَالتَّأْوِيلُ أَيْ تَأْوِيلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَحِلُّ لِي كَمَا تَحِلُّ نَفْسُ الْمَرْأَةِ وَكَمَا تَحِلُّ جَارِيَتِي لِأَبِي بِالتَّمَلُّكِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ مُؤَثِّرَةٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَقَوْمٍ سُقُوا عَلَى مَائِدَةٍ خَمْرًا فَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَمْرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يُحَدُّ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ يَعْنِي يَثْبُتُ النَّسَبُ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي نَفْسِهِ فَيَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَيَجِبُ بِهَا الْعِدَّةُ كَمَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَتَمَحَّضَ زِنًا نَظَرًا إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ لِهَذَا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَهْلُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا مُتَبَايِنَةٌ عَادَةً فَلَا يَكُونُ هَذَا مَحَلَّ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يَصِيرُ الْجَهْلُ شُبْهَةً.

وَكَذَلِكَ أَيْ كَمَا لَا يُحَدُّ الْوَلَدُ بِوَطْءِ جَارِيَةِ أَبِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَيَصِيرُ جَهْلُهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ وَدَخَلَ دَارَنَا فَشَرِبَ الْخَمْرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ يَصِيرُ جَهْلُهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى ظَانًّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ الَّذِي أَسْلَمَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ ظَانًّا أَنَّهَا حَلَالٌ حَيْثُ يُحَدَّانِ جَمِيعًا وَهَذَا أَيْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَبَيْنَ الزِّنَا فِي الْحَرْبِيِّ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْجَهْلَ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>