وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرْبُ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُبَلِّغُهُ الْعَدَالَةُ وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ مَحْضٍ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ وَجَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ
ــ
[كشف الأسرار]
إذَا جَاءَهُمْ تَحْرِيمُهَا وَآمَنُوا صَدَّقُوا بِتَحْرِيمِهَا ثُمَّ اتَّقَوْا مَا تَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا بِنَصٍّ يَرِدُ فِي التَّحْرِيمِ لِبَعْضِ مَا أُحِلَّ لَهُمْ وَأَحْسَنُوا فِيمَا تَعَبَّدَهُمْ اللَّهُ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فَهَذَا مَعْنَى ذِكْرِ التَّقْوَى ثَلَاثًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الِائْتِمَارُ قَبْلَ الْعِلْمِ فَلِذَلِكَ يُعْذَرُ، فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ الْخِطَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ تَمَّ التَّبْلِيغُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّبْلِيغُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ إنَّمَا الَّذِي فِي وُسْعِهِ الْإِشَاعَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ نَفْسَهُ مُبَلِّغًا إلَى الْكَافَّةِ يَبْعَثُ الْكُتُبَ وَالرُّسُلَ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ حَتَّى كَانَ يَقُولُ أَلَا هَلْ بَلَغْت اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ فَعُلِمَ أَنَّ التَّبْلِيغَ يَتِمُّ بِاشْتِهَارِ الْخِطَابِ وَاسْتِفَاضَتِهِ فَمَنْ جَهِلَ مِنْ بَعْدِ شُهْرَتِهِ فَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ تَقْصِيرِهِ أَيْ اُبْتُلِيَ بِالْجَهْلِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُقَالُ مِنْ هَاهُنَا أُتِيت أَيْ مِنْ هَاهُنَا دَخَلَ عَلَيْك الْبَلَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ وَهَلْ أُتِيت إلَّا مِنْ الصَّوْمِ أَيْ وَهَلْ أَتَانِي الْمَحْذُورُ إلَّا مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ صَارَ مُتَيَسِّرَ الْإِصَابَةِ بِالِاشْتِهَارِ لَا مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ.
فَلِذَلِكَ قُلْنَا إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَكَثَ مُدَّةً وَلَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ شُيُوعِ الْأَحْكَامِ وَيَرَى شُهُودَ النَّاسِ الْجَمَاعَاتِ وَيُمْكِنُهُ السُّؤَالُ عَنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَتَرْكُ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ تَقْصِيرٌ مِنْهُ فَلَا يُعْذَرُ كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمُرِ ظَانًّا أَنَّ الْمَاءَ مَعْدُومٌ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي تَرْكِ الطَّلَبِ فِي مَوْضِعِ الْمَاءِ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ فِي الْمَفَازَةِ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْمَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى حَيْثُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَصِّرٍ بِتَرْكِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْوَاقِعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَجَهْلِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَا قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِمَا لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَوْلَى.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى فَسَدَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَصِحُّ وَبَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بَاعَ مَتَاعًا لِلْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ فِيهِ أَيْ فِي التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ ضَرْبَ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُمَا حُقُوقُ الْعَقْدِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَنَحْوِهِمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ شِرَاءُ شَيْءٍ وُكِّلَ بِشِرَائِهِ بِعَيْنِهِ وَبَيْعُ شَيْءٍ وُكِّلَ بَيْعُهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيُطَالِبُ الْعَبْدُ بِعُهْدَةِ تَصَرُّفَاتِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ مُطَالِبًا بِهَا قَبْلَ الْإِذْنِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ فِي حَقِّهِمَا قَبْلَ الْعِلْمِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ لِذَلِكَ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِ مَعَ كَمَالِ وِلَايَتِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ قَاصِرُ الْوِلَايَةِ كَانَ أَوْلَى.
إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُبَلِّغُ الْوَكِيلَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُبَلِّغُ الْإِذْنَ أَوْ الْوَكَالَةَ إلَيْهِمَا الْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ أَوْ الْإِذْنَ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ مَحْضٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute