وَلِأَنَّهَا دَافِعَةٌ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ وَقَدْ أَنْكَحَهَا أَخُوهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِالْخِيَارِ لَمْ تُعْذَرْ وَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضًا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ فِي حَقِّهَا مَشْهُورٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَلِأَنَّهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ إلْزَامَ الْفَسْخِ ابْتِدَاءً لَا الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهَا وَالْمُعْتَقَةُ تَدْفَعُ الزِّيَادَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَلِهَذَا افْتَرَقَ الْخِيَارَانِ فِي شَرْطِ الْقَضَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
عِنْدَهُمَا وَكَانَ قَوْلُهُ مِثْلَهُ وَقَعَ زَائِدًا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَجَهْلِ هَؤُلَاءِ جَهْلُ الْأُمَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبُرَيْدَةَ حِينَ عَتَقَتْ مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» وَهُوَ يَمْتَدُّ إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِتَخْيِيرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ وَيُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْعَتَاقَةِ.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا شَرْعًا كَانَ الْجَهْلُ مِنْهَا عُذْرًا حَتَّى كَانَ لَهَا مَجْلِسُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَيْ دَلِيلَ الْعِلْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُسْتَبِدٌّ بِهِ فَلَا يُمْكِنُهَا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ وَأَمَّا فِي الْخِيَارِ فَلَمَّا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا خَفِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَلَا يَقُومُ اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلِأَنَّهَا دَافِعَةٌ عَنْ نَفْسِهَا لُزُومَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَالْجَهْلُ يَصْلُحُ عُذْرًا لِلدَّفْعِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ وَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ الْقُصُورِ فِي امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَمْرَ نَفْسِهِمَا بِالْبُلُوغِ كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَيُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْبُلُوغِ وَهُوَ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ فِي جَانِبِهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَاءِ مِنْهَا وَرِضَاءُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ يَتِمُّ بِسُكُوتِهَا شَرْعًا كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَسَكَتَتْ وَلِذَا لَوْ بَلَغَتْ ثَيِّبًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالسُّكُوتِ كَمَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ بِهِ.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ وَقْتَ الْبُلُوغِ كَانَ الْجَهْلُ مِنْهَا عُذْرًا لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ إذْ الْوَلِيُّ مُسْتَبِدٌّ بِالْإِنْكَاحِ وَإِنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْخِيَارِ لَمْ تُعْذَرْ وَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضَاءً؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ فِي حَقِّهَا مَشْهُورٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ لِاشْتِهَارِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَلُّمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِيَارُ الْبُلُوغِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلِظُهُورِهِ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ أَيْضًا وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ بِشَيْءٍ يَمْنَعُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ فَكَانَ سَبِيلُهَا أَنْ تَتَعَلَّمَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَتَعَذَّرُ بِالْجَهْلِ وَلِأَنَّهَا أَيْ الصَّغِيرَةُ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَيْ بِالْجَهْلِ بِالْخِيَارِ إلْزَامَ فَسْخِ إنْكَاحٍ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ شُرِعَ لِإِلْزَامِ النَّقْضِ لَا لِلدَّفْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَدْفَعُ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَالْمَهْرُ وَافِرًا وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا فَثَبَتَ أَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِلْزَامِ فِي حَقِّ الْخَصْمِ الْآخَرِ وَالْجَهْلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَقَةُ تَدْفَعُ الزِّيَادَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَالْجَهْلُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ لِلْإِلْزَامِ وَخِيَارَ الْمُعْتَقَةِ لِلدَّفْعِ افْتَرَقَ الْخِيَارَانِ فِي شَرْطِ الْقَضَاءِ فَشَرْطُ الْقَضَاءِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرِثُهُ الْآخَرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute