للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي السُّكْرِ) (وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي) (السُّكْرُ) نَوْعَانِ سُكْرٌ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ وَسُكْرٌ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ أَمَّا السُّكْرُ بِالْمُبَاحِ مِثْلُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ مِنْهَا مَا يَرُدُّ بِهِ الْعَطَشَ فَسَكِرَ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرِبَ دَوَاءً فَسَكِرَ بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

جِهَتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى الْعَقْدِ وَإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَا عَلَى الْفَسْخِ وَالْفَسْخُ ضِدُّ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبُهُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ لَصَحَّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِيهَا إذْ هُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهَا بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ عَرَفْنَا أَنَّ مُوجِبَهُ رَفْعُ صِفَةِ اللُّزُومِ فَقَطْ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لِلْعَاقِدِ فِي أَصْلِ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَإِلْزَامِ الْحُكْمِ جَمِيعًا فَاسْتِثْنَاءُ أَحَدِ الْخِيَارَيْنِ لِيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ لَا يَكُونُ بِإِيجَابِ الْغَيْرِ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْلِيطُهُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ إلَّا نِصْفَهُ بَقِيَ النِّصْفُ فِي مِلْكِهِ كَمَا كَانَ لَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْجَبَ لَهُ مِلْكَ النِّصْفِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مُسَاعِدَةَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ لَا حُكْمَ لَهُ وَالْعَقْدُ يَقُومُ بِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا رَضِيَ بِهِ فَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُثْبِتِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لَهُ لِانْتِفَاءِ صِفَةِ اللُّزُومِ فِي حَقِّهِ لَا لِلتَّسْلِيطِ فَيَصِيرُ هَذَا أَيْ صَاحِبُ الْخِيَارِ بِالْفَسْخِ مُتَصَرِّفًا عَلَى الْآخَرِ بِمَا فِيهِ إلْزَامٌ أَيْ إلْزَامٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ إلْزَامُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُعْتَمِدًا عَلَى صَيْرُورَةِ الْعَقْدِ لَازِمًا فَيَضْمَنُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْخِيَارَ وَإِنْ شَابَهُ الِاسْتِثْنَاءَ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُسَاعَدَةِ صَاحِبِهِ فِي ثُبُوتِ الشَّرْطِ فَأَشْبَهَ التَّسْلِيطَ وَهُمَا نَظَرَا إلَى الْحَقِيقَةِ فَقَالَا لَمَّا كَانَ الْخِيَارُ اسْتِثْنَاءً وَهُوَ مَنْعُ الثُّبُوتِ وَذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَعْنِي بِمَعْنًى مِنْ الْآخَرِ كَانَ حَقُّ الْفَسْخِ غَيْرَ مُسْنَدٍ إلَى تَسْلِيطِ الْآخَرِ فَشَابَهُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ.

فَإِنْ قِيلَ فَائِدَةُ الْخِيَارِ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا بِرِضَاهُ وَفِي التَّوْقِيفِ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ إضْرَارٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ مُقَدَّرَةٌ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَغِيبَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَتَفُوتَ فَائِدَةُ شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ رِضَاهُ قُلْنَا إنَّ التَّصَرُّفَ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى شَرْطِهِ فَامْتِنَاعُ نَفَاذِهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا يُعَدُّ مِنْ بَابِ الْإِضْرَارِ كَالْمُوَكِّلِ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَتَدَارُكَ حَقِّهِ فِيمَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَزْلِ لِعَدَمِ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسَلِ وَبَعْدَ الثُّلُثِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِنَفْسِهِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَلَّغَهُ فُضُولِيٌّ شُرِطَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فِي هَذَا الْخَبَرِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ عَدَدًا وَلَا عَدَالَةً وَنَفَذَ الْفَسْخُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عِلْمُ صَاحِبِهِ بِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ التَّبْلِيغُ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ جَمِيعًا لِصَيْرُورَةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا يُمْضِي الْمُدَّةَ وَبَطَلَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ حُصُولُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ وَاشْتِرَاطُ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَيُعْتَبَرُ نَفْسُ الْمُدَّةِ ثُلُثًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>