للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَقَدْ بَطَلَ الْهَزْلُ بِإِعْرَاضِهِمَا عَنْ الْمُوَاضَعَةِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَالَيْنِ فَجَعَلَ صِحَّةَ الْإِيجَابِ أَوْلَى إذَا سَكَتَا، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا سَكَتَا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْبِنَاءَ فَاعْتَبَرَ الْمُوَاضَعَةَ وَأَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ النَّصُّ عَلَى مَا يَنْقُضُهَا كَذَلِكَ حَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا أَعْلَمُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا أَعْلَمُ لَيْسَ بِشَكٍّ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَازِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ هَذَا بِقَوْلِ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَد أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاخْتِلَافُ.

وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ مُلْحَقٌ بِرِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَا بِفَتْوَى أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقْدُ الْمَشْرُوعُ لِإِيجَابِ حُكْمِهِ فِي الظَّاهِرِ جِدٌّ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ نَصًّا

ــ

[كشف الأسرار]

بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» فَعُلِمَ بِهِ أَيْ بِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُنَافِي الْإِيجَابَ أَيْ السَّبَبَ إذْ لَوْ كَانَ مُنَافِيًا لِنَفْسِ الْكَلَامِ وَانْعِقَادِهِ سَبَبًا لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ الْفَاسِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ الْمَجْنُونِ لِفَسَادِهَا فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْهَازِلِ صَحِيحٌ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبًا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ) عَنْ الْمُوَاضَعَةِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةَ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً فَتَرْتَفِعُ بِمَا قَصَدَا مِنْ الْجِدِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهَا وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا عَلَى تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ أَعْرَضْنَا عَنْهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَالَيْنِ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ أَيْ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ النَّصُّ عَلَى مَا يَنْقُضُهَا وَهُوَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْإِعْرَاضِ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا أَعْلَمُ يَعْنِي ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ لَفْظَةَ فِيمَا أَعْلَمُ حِينَ رَوَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ شَكًّا فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ وَالْإِنْسَانُ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فِيمَا عَلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِيمَا أَتَيَقَّنُ بِهِ وَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ مُؤَكِّدًا لِإِقْرَارِهِ لَا مُبْطِلًا لَهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ تَأْكِيدًا لِلرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ تَحَقُّقٍ لَا تَشْكِيكًا فَيَكُونُ الْخِلَافُ ثَابِتًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُمْ أَيْ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اعْتَبَرَ هَذَا أَيْ قَوْلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ هَاهُنَا بِقَوْلِ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَيْ قَوْلُ الشَّاهِدِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ اسْتِثْنَاءٌ لِيَقِينِهِ وَبَيَانٌ لَشَكَّهُ بِمَنْزِلَةِ فِيمَا أَحْسَبُ أَوْ أَظُنُّ فَكَذَا هَاهُنَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ تَشْكِيكًا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ الْغَيْرِ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَا رُوِيَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّكِّ وَالْأَصْلُ هُوَ الْمُوَافَقَةُ لَمْ يَثْبُتْ الِاخْتِلَافُ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا لِلتَّحْقِيقِ لَا لِلتَّشْكِيكِ فَكَانَ الِاخْتِلَافُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّى رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مُطْلَقًا أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قَوْلِهِ هَاهُنَا فِيمَا أَعْلَمُ بِمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِ بِمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ مَحْضٌ عَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِصِحَّتِهِ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ وَالرِّوَايَةُ مِثْلُهُ فَتَلْحَقُ بِهِ فَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَفِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ حَتَّى اخْتَصَّتْ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَحُضُورِ الْحَادِثَةِ وَلَا تَتَأَدَّى بِلَفْظَةِ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ فَكَانَ قَوْلُ الشَّاهِدِ فِيمَا أَعْلَمُ مُوهِمًا لِلشَّكِّ فِي الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَقَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ مُلْحَقٌ بِرِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَا بِفَتْوَى أَبِي حَنِيفَةَ رَدٌّ لِمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِكَلَامِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>