للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا، مِثْلُ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَيْضًا فَإِنْ هَزَلَا بِأَصْلِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي الْخُلْعِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ وَالْمَالَ لَازِمٌ وَهَذَا عِنْدَنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْخُلْعِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فَيَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَجِبَ الْمَالُ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ وَعِنْدَهُمَا الطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْمَالُ وَاجِبٌ وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ هَذَا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِنْ هَزَلَا بِالْكُلِّ لَكِنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ الْمُوَاضَعَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِعْرَاضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْ فَكَالْبَيْعِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ مُؤَثِّرٌ فِي تَسْمِيَتِهِ بِالْإِفْسَادِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهْدَارَ جَانِبِ الْهَزْلِ وَاعْتِبَارَ الْجِدِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الْهَزْلَ بِمَا سَمَّيَاهُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ الْهَزْلِ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا بَيْنَهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ وَالْمُسَمَّى لَا يَثْبُتُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِخِلَافِ فَصْلِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَدْ سَمَّيَا مَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ فِي تَسْمِيَةِ الْأَلْفَيْنِ تَسْمِيَةَ الْأَلْفِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَيَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ وَاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ ضَرُورَةً وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَتُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ التَّسْمِيَةِ.

وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْهَزْلِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَقْصُودًا بِالصِّحَّةِ إذْ لَا حَاجَةَ لِانْعِقَادِ النِّكَاحِ إلَى صِحَّتِهِ كَمَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْهَزْلِ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ فَيَبْقَى النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَبَطَلَتْ الْمُوَاضَعَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ مِثْلُ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَّا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا) إنَّمَا كَانَ الْمَالُ فِي هَذَا الْقَسَمِ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ فِيهِ بِدُونِ الذِّكْرِ فَلَمَّا شَرْطَا الْمَالَ فِيهِ عُلِمَ أَنَّهُ فِيهِ مَقْصُودٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَيْضًا يَعْنِي الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْمُنْقَسِمَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا فَإِنَّهُمَا إمَّا إنْ هَزَلَا بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ بِقَدْرِ الْبَدَلِ فِيهِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ هَزَلَا بِأَصْلِهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الَّذِي بَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ خَالَعَهَا بِطَرِيقِ الْهَزْلِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ أَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ هَازِلًا وَقَدْ تَوَاضَعَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هَزْلٌ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.

قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدَنَا أَرَادَ بِهِ نَفْسِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِمَا مَرَّ.

وَقَدْ نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ لَمْ تَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْأَلْفُ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا شَرْطٌ لِلْيَمِينِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخِيَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ جَانِبَهَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِعِوَضٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِدَايَةَ لَوْ كَانَتْ مِنْ جَانِبِهَا فَرَجَعَتْ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ صَحَّ رُجُوعُهَا وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَإِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَهُوَ تَمْلِيكُ مَالٍ جُعِلَ شَرْطًا بِهَذَا الْوَصْفِ كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ إنْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>