وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالسُّكُوتِ مُخْتَارٌ فَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَبَعْدَ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ السَّلَمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ إبْرَاءُ الْغَرِيمِ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَأَمَّا إذَا هَزَلَا بِأَصْلِ الْمَالِ أَيْ بِجِنْسِهِ فَذَكَرَا الدَّنَانِيرَ تَلْجِئَةً وَغَرَضُهُمَا الدَّرَاهِمُ فَإِنَّ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي أَصْلِ التَّصَرُّفِ عِنْدَهُمَا وَلَا فِي الْمَالِ تَبَعًا لَهُ فَصَارَ الْمُسَمَّى بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَيْضًا تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ تَوَقَّفَ الطَّلَاقُ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْمُسَمَّى بِطَرِيقِ الْجِدِّ وَاخْتِيَارُهَا الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَمَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ مَنَعَ صِحَّةَ قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِ الدَّنَانِيرِ وَهِيَ لَمْ تَقْبَلْ فَيَتَوَقَّفُ إلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ اعْتِبَارًا لِلْجِدِّ وَأُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى بِكُلِّ حَالٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي نَظَائِرِهِ أَيْ مِثْلُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ فِي الْخُلْعِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَعْنِي الْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ. قَوْلُهُ وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ أَيْ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ طَلَبُ الشُّفْعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَطْلُبْ عَلَى الْفَوْرِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.
وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ وَهُوَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ الطَّلَبِ وَيَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَيَقُولُ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَبِهَذَا الطَّلَبِ تَسْتَقِرُّ شُفْعَتُهُ حَتَّى لَا تَبْطُلَ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَالثَّالِثُ طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ فَإِذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ هَازِلًا قَبْلَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ كَالسُّكُوتِ مُخْتَارًا إذْ اشْتِغَالُهُ بِالتَّسْلِيمِ هَازِلًا سُكُوتٌ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ ضَرُورَةً وَأَنَّهَا تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ السُّكُوتِ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَكَذَا بِالسُّكُوتِ حُكْمًا وَبَعْدَ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ الْإِشْهَادِ التَّسْلِيمُ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ بَاطِلٌ وَالشُّفْعَةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَ التَّسْلِيمُ وَبَقِيَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَسْلِيمَ شُفْعَةِ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَاءِ بِالْحُكْمِ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُ الرِّضَاءَ بِهِ فَيَبْطُلُ التَّسْلِيمُ فَكَذَا الْهَزْلُ يَمْنَعُ الرِّضَاءَ بِالْحُكْمِ فَيَبْطُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ كَمَا يَبْطُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَتَبْقَى الشُّفْعَةُ. وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إبْرَاءُ الْغَرِيمِ فِي أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأهُ هَازِلًا لَا يَصِحُّ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِلَى مَعْنَى التَّمْلِيكِ أُشِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٨٠] فَيُؤَثِّرُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَكَذَا الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ.
وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ هَازِلًا لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute