للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ فِي الْإِيمَانِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقْرَارِ وُجُودًا وَعَدَمًا دَلَالَةً عَلَى التَّصْدِيقِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ فَإِنَّ الصَّوْمَ صَارَ حَسَنًا لِمَعْنَى قَهْرِ النَّفْسِ وَالزَّكَاةُ لِمَعْنَى حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَالْحَجُّ لِمَعْنَى شَرَفِ الْمَكَانِ إلَّا

أَنَّ هَذِهِ الْوَسَائِطَ غَيْرُ مُسْتَحِقَّةٍ لِأَنْفُسِهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَيْسَتْ بِجَانِيَةٍ فِي صِفَتِهَا وَالْفَقِيرَ لَيْسَ بِمُسْتَحِقِّ عِبَادَةٍ وَالْبَيْتَ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ لِنَفْسِهِ فَصَارَ هَذَا كَالْقِسْمِ الثَّانِي عِبَادَةً خَالِصَةً لِلَّهِ حَتَّى شَرَطْنَا لَهَا أَهْلِيَّةً كَامِلَةً

ــ

[كشف الأسرار]

فَدَلَّ أَنَّهَا حَسُنَتْ فِي ذَاتِهَا وَضْعًا وَلِهَذَا كَانَتْ رَأْسَ الْعِبَادَاتِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، لَكِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى اللَّفْظِ فِي كَلَامِ الْمَشَايِخِ خُصُوصًا تَصْنِيفَاتُ الشَّيْخِ غَيْرُ غَرِيبٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْحَسَنُ لِعَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْحَسَنِ حَقِيقَةً فِي ذَاتِهِ أَوْ حُكْمًا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ مَا حَسُنَ لِعَيْنِهِ حَقِيقَةً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمًا.

، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ أَيْضًا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ فَجَعَلَ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةً فَالْقِسْمُ الْمُتَوَسِّطُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ التَّقْسِيمِ وَمُسْتَبِدٍّ بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ.

وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ ضَرْبَانِ مَا حَسُنَ لِعَيْنِهِ حَقِيقَةً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمًا وَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ قِسْمَانِ مَا لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَمَا يَقْبَلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ عَدَّ الْأَقْسَامَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ وَتَرَكَ التَّقْسِيمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَرَادَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ الْحَسَنَ لِعَيْنِهِ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ التَّقْسِيمِ الْمَفْهُومِ مِمَّا ذَكَرَهُ فَدَخَلَ فِيهِ الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ وَلِهَذَا لَمْ يُفْرِدْ الْقِسْمَ الْمُتَوَسِّطَ بِالذِّكْرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَكَالصَّلَاةِ عَطْفًا عَلَى فَنَحْوُ الْإِيمَانِ وَيَكُونُ الْكَافُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا دُونَ التَّصْدِيقِ إذْ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَائِدَةٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ فِي اقْتِضَاءِ صِفَةِ الْحَسَنِ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْحَسَنَ لِعَيْنِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهَا لَمَّا كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ فَهَلَّا جُعِلَتْ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِقْرَارُ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ وُجُودًا وَعَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَا فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا أَمَّا الصَّلَاةُ فَعَدَمُهَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ التَّصْدِيقِ أَصْلًا وَوُجُودُهَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِهِ إلَّا مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْكَافِرُ مُنْفَرِدًا لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فِيهِ

قَوْلُهُ (صَارَ حَسَنًا لِمَعْنَى قَهْرِ النَّفْسِ) بَيَانُهُ أَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا حَسُنَ لِحُصُولِ قَهْرِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ الَّتِي هِيَ عَدُوُّ اللَّهِ وَعَدُوُّك بِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إلَى دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَادِ نَفْسَك فَإِنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «أَعْدَى عَدُوِّك نَفْسُك الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك» ، لَا أَنَّهُ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَجْوِيعَ النَّفْسِ وَمَنْعَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَمْلُوكِهِ مَعَ النُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ لَهَا مِثْلٌ قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢] {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: ٤] {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ٥٧] {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨] لَيْسَ بِحَسَنٍ.

، وَكَذَا الزَّكَاةُ إنَّمَا صَارَتْ حَسَنَةً بِوَاسِطَةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الرَّحْمَنِ لَا لِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَالِ وَتَنْقِيصَهُ فِي ذَاتِهِ إضَاعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ شَرْعًا وَمَمْنُوعٌ عَقْلًا، وَكَذَا الْحَجُّ إنَّمَا صَارَ حَسَنًا بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ زِيَارَةُ أَمْكِنَةٍ مُعَظَّمَةٍ مُحْتَرَمَةٍ عَظَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَّفَهَا عَلَى غَيْرِهَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ:

مَا أَنْتِ يَا مَكَّةُ إلَّا وَادِي ... شَرَّفَك اللَّهُ عَلَى الْبِلَادِ

، وَفِي زِيَارَتِهَا تَعْظِيمُ صَاحِبِهَا فَصَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>