للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ فِي اقْتِضَاءِ صِفَةِ الْحُسْنِ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عِبَادَةً يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الثَّانِيَ بِدَلِيلٍ وَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لَمَّا تَنَاوَلَ الْأَمْرُ بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْجُمُعَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِفَةِ حُسْنِهِ وَعَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى قَالَا لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الظُّهْرِ مِنْ الْمُقِيمِ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْحَالَةِ أَكْثَرُ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ بِاسْتِئْذَانٍ رُبَّمَا يَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ فَأَمَّا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَغْتَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّهَيُّؤُ لِذَلِكَ فَهُجُومُ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسَافِرِ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِتَعَبِ السَّفَرِ وَعَدَمِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْوَقْتِ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ يُحَقِّقُ الْعَجْزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِ تَهْيِئَتِهِ الْمَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَصْلِ أَيْ الْوُضُوءُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] ، لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْمَاءِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِالْعَجْزِ الظَّاهِرِيِّ إلَى خَلَفِهِ وَهُوَ التُّرَابُ

قَوْلُهُ (وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ) أَيْ الْمُطْلَقُ عَنْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْحَسَنُ لِعَيْنِهِ وَقَدْ تَنَوَّعَ نَوْعَيْنِ مَا حَسُنَ لِعَيْنِهِ حَقِيقَةً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمًا فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَقْسَامِ، أَوْ مَعْنَاهُ يَتَنَاوَلُ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ أَيْ النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْحَسَنُ لِعَيْنِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْ مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ بَعْدَهُ وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الثَّانِيَ أَيْ مَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَيْضًا فَقَالَ، وَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ فِي الْعِبَادَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ مِثْلُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالصَّلَاةِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَثْبُتُ بِهِ حُسْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ لِعَيْنِهِ وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَثْبُتُ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحَسَنِ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَهُوَ ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَا وَرَاءَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ أَقْوَى أَنْوَاعِ الطَّلَبِ وَهُوَ الْإِيجَابُ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَالَ صِفَةِ الْحُسْنِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ مِنْ الْحَكِيمِ لَمَّا اقْتَضَى نَفْسَ الْحُسْنِ فَكَمَالُهُ يَقْتَضِي كَمَالَ الْحُسْنِ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْحُسْنِ الذَّاتِيِّ إذْ هُوَ الْحُسْنُ الْحَقِيقِيُّ وَالْحُسْنُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْغَيْرِ لَهُ شَبَهٌ بِالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْرِ بِفِعْلٍ هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادَةٌ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ اسْتِعْبَادًا إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ قَوْلِهِ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اُعْبُدُونِي بِهَا وَالْعِبَادَةُ لِلَّهِ تَعَالَى حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا.

، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عِبَادَةً يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُمْ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى قُلْنَا ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ صِفَةِ الْكَمَالِ فِيهِ وَكَلَامُنَا فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فَمَنْ قَالَ الْحُسْنُ عَقْلِيٌّ قَالَ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ أَنَّ الْحُسْنَ رَاجِعٌ إلَى ذَاتِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ وَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْعِيٌّ فَالْحُسْنُ عِنْدَهُمْ مَا أَمَرَ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَأْمُورٍ بِهِ حَسَنًا إلَّا إذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي كَمَالَ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَمَّا تَنَاوَلَ الْأَمْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] ، دَلَّ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى صِفَةِ حُسْنِهِ أَيْ عَلَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ حَسَنًا لِعَيْنِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ أَيْ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِله وَلَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>