للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ قِيَامَ الْغِنَى بِمَالٍ آخَرَ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ بَالِغًا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِدَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَقْتَضِي صِفَةَ الْغِنَى الْكَامِلِ بِعَيْنِ النِّصَابِ لَا بِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ فِي تَقْسِيمِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَصِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِهِ عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَهَذَا

ــ

[كشف الأسرار]

يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ أَيْ عَلَى قَوْلِنَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ لَمْ يَجِبْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ أَنَّ الدَّيْنَ الْقَائِمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَمْنَعُ عَنْ وُجُوبِهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِصِفَةِ الْيُسْرِ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الدَّيْنِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهَا تَجِبُ بِقُدْرَةِ مُيَسِّرَةٍ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ فِيمَا تَجِبُ بِقُدْرَةٍ مُمَكِّنَةٍ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الدَّيْنُ إنَّمَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يُعْدِمُ الْغَنَاءَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَالْغَنَاءُ مِنْ شُرُوطِ الْأَهْلِيَّةِ فَعَدَمُهُ يُخِلُّ بِهَا فَيَمْتَنِعُ الْوُجُوبُ لَا مَحَالَةَ.

قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ) إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ لِلْخِدْمَةِ دَيْنٌ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التِّجَارَةِ فَعَلِقَتْ رَقَبَتُهُ بِهِ وَمَوْلَاهُ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْغَنَاءِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمَا يَمْلِكُ مِنْ مَالٍ آخَرَ سِوَى هَذَا الْعَبْدِ وَمَالِيَّةُ مِنْ يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي وَلَدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِسَبَبِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ بِنَوْعٍ مِنْ خِدْمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي غِنَاهُ وَلَا صَدَقَةَ إلَّا عَلَى الْغِنَى، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَ دَيْنِ الْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَبَيْنَهُ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ يَمْنَعُ دَيْنُهُ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يَمْنَعُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ إلَى آخِرِهِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ الْغَنَاءُ بِذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِمَالٍ آخَرَ وَدَيْنُ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الْغَنَاءَ بِمَالِيَّتِهِ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَمُطْلَقُ الْغِنَى بِأَيِّ مَالٍ كَانَ وَدَيْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ الْغَنَاءَ بِمَالٍ آخَرَ فَافْتَرَقَا.

قَوْلُهُ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى هَهُنَا، تَقْسِيمٌ فِي صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ وَهُوَ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَتَقْسِيمٌ فِي صِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ تَقْسِيمِ الْحَسَنِ، فَأَمَّا مَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَأْمُورِ بِهِ قَائِمَةً بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ كَمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَسَنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِهِ أَيْ تَقْسِيمِهِ، عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ لَا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى أَيْ الْقِسْمَةُ الْأُولَى انْقَسَمَ إلَى نَوْعَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَإِلَى حَسَنٍ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى أَنْوَاعٍ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْوَقْتِ يَنْقَسِمُ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ ثُمَّ إلَى مَا يَكُونُ ظَرْفًا وَمِعْيَارًا وَمُشْكِلًا فَهَذَا الِانْقِسَامُ وَالتَّرْتِيبُ كَالدَّرَجَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى إلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أُسْتَاذُ الْأَئِمَّةِ حَمِيدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مُرَتَّبٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَذَا تَرْتِيبٌ فِي نَفْسِهِ وَهَهُنَا انْقَسَمَ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي غَيْرِهِ وَالْمُوَقَّتُ يَنْقَسِمُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَوَقْتِ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» ، قُلْت وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْأَمْرِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ فَغَيْرُ الْمُوَقَّتِ نَوْعٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا الْمُوَقَّتُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ انْقَسَمَ إلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَكِلَاهُمَا انْقَسَمَ إلَى مُوَقَّتٍ وَغَيْرِ مُوَقَّتٍ وَنَعْنِي بِهِ أَنَّ مَجْمُوعَ أَقْسَامِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُوَقَّتَةً وَغَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>