للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ هَذَا لَا يُرْوَى وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا شَرْعًا وَالِاخْتِيَارُ فِيهِ لِلْعَبْدِ لَمْ يُقْبَلْ التَّعَيُّنُ بِتَعْيِينِهِ قَصْدًا وَنَصًّا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ ضَرُورَةَ تَعَيُّنِ الْأَدَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ تَعْيِينَ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ ضَرْبُ تَصَرُّفٍ فِيهِ وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ وِلَايَةُ وَضْعِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ فَصَارَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّعْيِينِ قَصْدًا يَنْزِعُ إلَى الشَّرِكَةِ فِي وَضْعِ الْمَشْرُوعَاتِ وَإِنَّمَا إلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِمَا هُوَ حَقُّهُ ثُمَّ يَتَعَيَّنُ بِهِ الْمَشْرُوعُ حُكْمًا وَنَظِيرُ هَذَا الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْحَانِثَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ وَإِنْ شَاءَ كَسَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَرَّرَ رَقَبَةً وَلَوْ عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَصْدًا لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ضَرُورَةُ فِعْلِهِ لِمَا قُلْنَا وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْفَوَاتَ لِذَهَابِ شَرْطِ الْأَدَاءِ مِنْ حُكْمِ كَوْنِهِ ظَرْفًا لِلْوَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَنْفِي غَيْرَهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَفْعَالًا مَعْلُومَةً فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَقْتُ خَالِيًا وَبَقِيَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى حَقِّهِ فَلَمْ يَنْتَفِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَضَوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى الْوَقْتُ صَارَ الْوَاجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ فِي آخِرِهِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ السَّفَرِ مَعَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النُّقْصَانُ مِنْ الْأَرْبَعِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ قِبَلِ السَّبَبِ بَلْ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ حَالِ الْمُصَلِّي فَلَا يَتَفَاوَتُ بِأَنْ يُضَافَ إلَى الْجُزْءِ أَوْ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ السَّبَبِ فَيَتَفَاوَتُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْوَقْتِ النَّاقِصِ وَالْكَامِلِ، وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ بِاعْتِبَارِ السَّفَرِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ السَّفَرُ بَاقٍ فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَعُودُ إلَى الْكَمَالِ.

قَوْلُهُ (لِأَنَّ هَذَا لَا يُرْوَى) أَيْ عَنْ السَّلَفِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَجُوزُ بِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا.

، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ نَاقِصٍ بِخِلَافِ الْأَدَاءِ كَمَا قَالُوا فِي قَضَاءِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَا يَجُوزُ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ جَائِزًا فِي الرَّمَضَانِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ (لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا) يَعْنِي لِكَوْنِ الْوَقْتِ مُتَّسِعًا وَكَوْنِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا فِي الْأَدَاءِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ لِلْحَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَدَاءِ أَوْ إلَى التَّعْيِينِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، قَصْدًا أَيْ بِالْقَلْبِ بِأَنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجُزْءُ سَبَبًا، وَنَصًّا أَيْ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ عَيَّنْت هَذَا الْجُزْءَ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَيَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ قَبُولِهِ التَّعْيِينَ قَصْدًا وَنَصًّا، وَلَيْسَ إلَى الْعَبْدِ وِلَايَةُ تَعْيِينِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضٍ إلَيْهِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ، يَنْزِعُ إلَى الشَّرِكَةِ أَيْ يَقْضِي وَيَذْهَبُ إلَيْهَا يُقَالُ فُلَانٌ نَزَعَ إلَى أَبِيهِ فِي الشَّبَهِ أَيْ ذَهَبَ، وَالتَّعْيِينُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ وَهُوَ نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ بِهِ الْمَشْرُوعُ أَيْ بِارْتِفَاقِهِ تَعَيَّنَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَرْتَفِقَ) يَعْنِي لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْيِينُ بِالْقَوْلِ كَانَ اخْتِيَارًا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ الرِّفْقِ وَالنَّفْعِ وَإِنَّمَا جَعَلَ إلَى الْعَبْدِ اخْتِيَارَ مَا فِيهِ رِفْقٌ وَلَا رِفْقَ لَهُ فِي اخْتِيَارِ جُزْءٍ مِنْ الْجُمْلَةِ قَوْلًا بَلْ فِيهِ نَوْعُ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ فِيهِ فَيَفُوتُهُ الْأَدَاءُ أَصْلًا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا إلَيْهِ التَّعْيِينُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَدَاءَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي تَيَسَّرَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَذَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (أَنْ لَا يَنْفِيَ غَيْرَهُ) أَيْ لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِعْيَارًا لَا يَصِيرُ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَاجِبِ فَلَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّةَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْأَدَاءُ يَحْصُلُ بِمَنَافِعِ بَدَنِهِ فَكَانَ الْوَقْتُ خَلَفًا عَنْهَا فَبَقِيَ غَيْرُهَا مَشْرُوعًا فِيهِ وَالْمَنَافِعُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ يَصْرِفُهَا إلَى أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ كَالرَّجُلِ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَهُ مَالٌ لَا يَنْفِي وُجُوبَ دَيْنٍ آخَرَ وَلَا قَضَاءَ دَيْنٍ آخَرُ عَنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>