للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعْلُ الْمَعْنَى رُكْنًا لَازِمًا وَالنَّظْمِ رُكْنًا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ رُخْصَةٌ بِمَنْزِلَةِ التَّصْدِيقِ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالْإِقْرَارُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[كشف الأسرار]

الصَّلَاةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مُشَارَكَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ مُطْلَقُ السُّجُودِ فَيَجُوزُ أَنْ تُلْحَقَ بِالصَّلَاةِ بِوَاسِطَتِهَا وَرُكْنِيَّةُ النَّظْمِ قَدْ سَقَطَتْ فِي الصَّلَاةِ فَتَسْقُطُ فِيمَا أُلْحِقَ بِهَا، وَعَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ أَوْ الْمَقْرُوءَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا فَيَحْرُمُ مَسُّهُ لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ وَقِرَاءَتُهُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَشْمَلُ، ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْ الْبِدَعِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِكَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرَ غَيْرُ مُؤَوَّلَةٍ وَلَا مُحْتَمَلَةٍ لِلْمَعَانِي وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَخْتَلَّ نَظْمُ الْقُرْآنِ زِيَادَةَ اخْتِلَالٍ بِأَنْ قَرَأَ مَكَانَ قَوْله تَعَالَى {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: ١٢٤] مَعِيشَةً تَنْكًا أَوْ مَكَانَ {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: ٣٨] سَزَاءً أَمَّا لَوْ قَرَأَ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَجْنُونًا أَوْ زِنْدِيقًا وَالْمَجْنُونُ يُدَاوَى وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ.

وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَرُبَتْ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْفَصَاحَةِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَرَوَاهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَعَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

قَوْلُهُ (وَجَعَلَ الْمَعْنَى رُكْنًا لَازِمًا) إلَى قَوْلِهِ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ أَيْ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعْنَى لَازِمًا فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ لَا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ وَالنَّظْمِ رُكْنًا قَابِلًا لِلسُّقُوطِ رُخْصَةً فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَمَا جَعَلَ التَّصْدِيقَ فِي الْإِيمَانِ لَازِمًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْإِقْرَارَ رُكْنًا زَائِدًا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عِنْدَ الْعُذْرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّظْمَ وَالْمَعْنَى لَا يَفْتَرِقَانِ فِي السُّقُوطِ حَالَةَ الْعَجْزِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَا يَفْتَرِقُ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ فِي اللُّزُومِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى حَالَةَ الْقُدْرَةِ كَمَا وَجَبَ فِي الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ، ثُمَّ الْغَرَضُ مِنْ إعَادَةِ قَوْلِهِ وَالنَّظْمِ رُكْنًا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بَعْدَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا تَحْقِيقُ كَوْنِهِ زَائِدًا بِإِتْمَامِ تَشْبِيهِ الرُّكْنَيْنِ بِالرُّكْنَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَسْمِيَةُ الْإِقْرَارِ رُكْنًا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ فَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَهُوَ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ تَسْمِيَةُ النَّظْمِ رُكْنًا مَعَ جَوَازِ تَرْكِهِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ كَمَا لَا يُسْتَبْعَدُ تَسْمِيَةُ مَا هُوَ زَائِدٌ عَلَى أَصِلْ الْفَرْضِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ رُكْنًا بَعْدَمَا صَارَ مَوْجُودًا مَعَ جَوَازِ تَرْكِهِ فِي الِابْتِدَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ لَمَّا جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَعْنَى عِنْدَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قُرْآنًا إذْ لَا جَوَازَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ مُتَنَاوِلًا لَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ كِتَابَةِ الْمَعْنَى الْمُجَرَّدِ فِي الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَمَا تَعَلَّقَ الْمَعْنَى بِهِ مِنْ الْعِبَارَةِ الْفَارِسِيَّةِ مَثَلًا لَيْسَ بِمَكْتُوبٍ فِي الْمُصْحَفِ وَلَا مَنْقُولٍ بِالتَّوَاتُرِ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ الْحَدُّ جَامِعًا أَوْ لَا يَكُونُ الْمَعْنَى بِدُونِ النَّظْمِ قُرْآنًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الصَّلَاةُ، قُلْنَا إنَّمَا جَازَ الِاكْتِفَاءُ عِنْدَهُ بِالْمَعْنَى إمَّا لِقِيَامِ الْمَعْنَى الْمُجَرَّدِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ قِيَامَ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى أَوْ لِقِيَامِ الْعِبَارَةِ الْفَارِسِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْقُرْآنِ مَقَامَ النَّظْمِ الْمَنْقُولِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>