للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

فَثَبَتَ أَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ لَازِمَةٌ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِتَأْخِيرِ النِّيَّةِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَوَازُ التَّأْخِيرِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالرُّكْنِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ أَوْلَى وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا الْعَجْزُ أُطْلِقَ التَّقْدِيمُ مَعَ الْفَصْلِ عَنْ رُكْنِ الْعِبَادَةِ يَعْنِي لَمَّا جَازَ الصَّوْمُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مَعَ فَصْلِهَا عَنْ رُكْنِ الْعِبَادَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَعْمَالٍ أُخَرَ مُنَافِيَةٍ لِلصَّوْمِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِهَا مَعَ وَصْلِهَا بِالرُّكْنِ كَانَ أَوْلَى (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إنْ لَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُتَأَخِّرَةِ تَقْدِيرًا كَالْمُتَقَدِّمَةِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَتَى تَقَدَّمَتْ وَصَحَّتْ بِمَوْضُوعِهَا عَزْمًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَقِيَتْ كَذَلِكَ وَاقْتَرَنَتْ بِكُلِّ جُزْءٍ لِأَنَّ نِيَّتَهُ انْتَظَمَتْ أَجْزَاءَ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْبَعْضِ لَمْ يَصِحَّ فَمَتَى تَأَخَّرَتْ صَارَتْ كَمَا نَوَى صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ إذْ هِيَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَاضِي بِوَجْهٍ مَا (قُلْنَا) لَا حَاجَةَ إلَى الْقَوْلِ بِبَقَائِهِ حُكْمًا لِأَنَّهُ قَامَ دَلِيلُ سُقُوطِ الِامْتِدَادِ حَقِيقَةً فَلَئِنْ سَاغَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِالِاقْتِرَانِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ حُكْمًا مَعَ انْعِدَامِهِ حَقِيقَةً جَازَ لِآخَرَ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ الِاقْتِرَانَ بِجُزْءٍ مِنْهُ حَقِيقَةً كَالِاقْتِرَانِ بِالْكُلِّ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ صَوْمًا جُمْلَةً الْإِمْسَاكَاتِ فِي الْيَوْمِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاقْتِرَانُ مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ حَقِيقَةً اقْتِرَانًا بِالْكُلِّ حُكْمًا كَذَا فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ.

ثُمَّ شَرَعَ الشَّيْخُ فِي بَيَانِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ وَلِهَذَا أَيْ وَلِمَا أُخِّرَ مِنْ النِّيَّةِ رُجْحَانٌ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْوُجُودِ عِنْدَ الْفِعْلِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ الْفِعْلِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ أَيْ الْوُجُودُ عِنْدَ الْفِعْلِ حَدُّ حَقِيقَةِ الْأَصْلِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِالْعَمَلِ فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ حَقِيقَةً كَانَ هَذَا حَقِيقَةَ الْأَصْلِ وَالِاقْتِرَانُ بِهِ تَقْدِيرًا لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ فَكَانَ حَدُّ حَقِيقَةِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الِاقْتِرَانُ حَقِيقَةً لَا تَقْدِيرًا وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ هَهُنَا فِي الْمُتَأَخِّرَةِ دُونَ الْمُتَقَدِّمَةِ وَنُقْصَانُ الْقُصُورِ أَيْ وَلَهُ نُقْصَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي أَوَّلِهِ وَلَكِنَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ الْعَدَمُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وُجِدَ فِيهِ الْعَزِيمَةُ يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مَحَلُّ الْعَفْوِ كَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالِانْكِشَافِ الْقَلِيلِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَابْتِلَاعِ مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ مِمَّا بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاسْتَوَيَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالًا وَنُقْصَانًا فَالْكَمَالُ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ الِاسْتِيعَابُ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا عَدَمُهَا عِنْدَ الْفِعْلِ وَالْكَمَالُ فِي الْمُتَأَخِّرَةِ الْوُجُودُ عِنْدَ الْفِعْلِ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا قُصُورُهَا عَنْ الْجُمْلَةِ حَقِيقَةً فَكَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي طَرِيقِ الرُّخْصَةِ أَيْ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ بِهَا بَلْ هَذَا رَاجِحٌ أَيْ التَّأْخِيرُ أَوْلَى بِالتَّرَخُّصِ بِهِ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِيهِ مَوْجُودٌ تَقْدِيرًا أَيْضًا لِأَنَّا نَقُولُ أَقَمْنَا النِّيَّةَ فِي الْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ كَمَا أَنَّ الِاسْتِيعَابَ ثَابِتٌ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا فَصَارَ جِهَةُ النُّقْصَانِ فِي الْمُتَأَخِّرَةِ مُعَارِضَةً لِجِهَةِ الْكَمَالِ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ فَسَلَّمَ جِهَةَ الْكَمَالِ وَهِيَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّعَارُضِ فَصَارَ التَّأْخِيرُ أَرْجَحَ.

(فَإِنْ قِيلَ) يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مِنْ النَّهَارِ أَفْضَلَ عِنْدَكُمْ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ إذْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلِ بِالْإِجْمَاعِ (قُلْنَا) إنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ أَفْضَلَ لِأَنَّ فِيهَا الْمُسَارَعَةَ إلَى الْأَدَاءِ وَالتَّأَهُّبَ لَهُ أَوْ الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ لِإِكْمَالٍ فِي الصَّوْمِ كَمَا أَنَّ الِابْتِكَارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ بَعْدَ النِّدَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ لَا لِتَعَلُّقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>