للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ نَقُلْ بِالِاسْتِنَادِ وَلَا بِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مَعَ احْتِمَالِ طَرِيقِ الصِّحَّةِ وَالْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ قُرْبَةٌ مَعَ قُصُورِ مَعْنَى الطَّاعَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي الْإِمْسَاكِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَصَارَ إثْبَاتُ الْعَزِيمَةِ فِيهِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا وَفَاءً لِحَقِّهِ وَتَوْفِيرًا لِحَظِّهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَيَتَكَامَلُ جِنَايَتُهُ بِالْفِطْرِ كَمَا لَوْ كَانَ نَوَى بِاللَّيْلِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَعْزِمْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» يَنْفِي كَوْنَهُ صَائِمًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ يَبْقَى شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَمِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا مُوَافِقٌ لِلْمَنْظُومَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طَرِيقَتِهِ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ مَا إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَبَيْنَ مَا إذَا نَوَى مِنْ النَّهَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا إذَا نَوَى مِنْ النَّهَارِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نَظِيرَ لِمَا اخْتَرْتُمْ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ النِّيَّةِ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فَأَمَّا لِجَوَازِ التَّقْدِيمِ فَنَظَائِرُ جَمَّةٌ كَتَقْدِيمِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَتَقْدِيمِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَدَاءِ وَغَيْرِهِمَا (قُلْنَا) نَحْنُ مَا جَعَلْنَا النِّيَّةَ الْمُتَأَخِّرَةَ مُتَقَدِّمَةَ لَكِنْ جَعَلْنَا الْإِمْسَاكَاتِ مَوْقُوفَةً عَلَى النِّيَّةِ فَبَعْدَ وُجُودِهَا يَنْقَلِبُ صَوْمًا شَرْعِيًّا وَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُوجَدُ بَعْدَ مَوْجُودٍ فِي الْحِسِّيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّ الرَّمْيَ حُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِصَابَةِ وَتَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالتَّعْلِيقَاتُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الشَّرْطِ وَكَذَا الظُّهْرُ الْمُؤَدَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ حُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُود السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَعَدَمِهِ وَكَذَا الْوَقْتِيَّةُ الْمُؤَدَّاةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ حُكْمُهَا مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ تَوَقُّفُ الْإِمْسَاكَاتِ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْأَكْثَرِ طَرِيقًا مَسْلُوكًا.

قَوْلُهُ (وَلَمْ نَقُلْ بِالِاسْتِنَادِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَرِضَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَاضِي بِوَجْهٍ فَقَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ هَذَا الصَّوْمِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَوْجُودِ لَا فِي الْمَعْدُومِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحَدَثَتْ زِيَادَةٌ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهَلَكَتْ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ حَتَّى اسْتَنَدَ حُكْمُهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ الِاسْتِنَادِ فِي ذَلِكَ الْهَالِكِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهَهُنَا مَا تَقَدَّمَ عَلَى النِّيَّةِ قَدْ عُدِمَ فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ بِطَرِيقِ اسْتِنَادِ النِّيَّةِ إلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النِّيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَاضِي بَلْ الصَّحِيحُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

قَوْلُهُ (وَلَا بِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ) رَدٌّ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْجُزْءِ الْفِعْلُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْعَزِيمَةِ فَيَفْسُدُ بِعَدَمِ الْعَزِيمَةِ وَمِنْ فَسَادِهِ يَلْزَمُ فَسَادُ الْبَاقِي فَقَالَ نَحْنُ لَا نَقُولُ بِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مَعَ احْتِمَالِ طَرِيقِ صِحَّتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُ صَوْنُ الْعِبَادَةِ عَنْ الْفَوَاتِ فَإِنْ حَصَلَتْ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ كَحُصُولِهَا فِي الْجَمِيعِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْفِعْلَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ عِبَادَةً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِمْسَاكَاتِ فِي كَوْنِهَا صَوْمًا شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّى فَاقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَانَ اقْتِرَانًا بِجَمِيعِهَا ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزُّؤِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ النِّيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْإِمْسَاكِ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي أَمْكَنَ الِاسْتِدْرَاكُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَوْمًا فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ مُقْتَرِنٌ بِالنِّيَّةِ تَقْدِيرًا كَمَا فِي النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِ الْفَسَادِ وَهُوَ انْعِدَامُ النِّيَّةِ قَوْلُهُ (وَالْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ قُرْبَةٌ) إلَى آخِرِهِ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>