للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الْحَجِّ أَوْ الْوَقْتِ الْمُشْكِلِ أَنَّهُ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ وَقَوْلُهُ إنَّ وَقْتَ الْحَجِّ إقَامَةٌ لِلْمُظْهَرِ مُقَامَ الْمُضْمَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَيْ وَقْتَ الْحَجِّ يَفْضُلُ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ فَإِنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِيهِ يَفْضُلُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ وَقْتُ الطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَ مِعْيَارًا لَا يَفْضُلُ عَنْهُ كَوَقْتِ الصَّوْمِ عَنْ الصَّوْمِ وَأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ عُرِفَتْ بِأَسْمَائِهَا كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِهَا وَصِفَتُهَا أَيْ وَهَيْئَتُهَا وَتَرْتِيبُهَا مِثْلُ كَيْفِيَّةِ الطَّوَافِ وَالرَّمَلِ فِيهِ وَكَيْفِيَّةِ السَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَا بِمِعْيَارِهَا أَيْ لَا مَدْخَلَ لِلْوَقْتِ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَانَ ظَرْفًا كَوَقْتِ الظُّهْرِ وَمُشَابَهَتُهُ لِوَقْتِ الصَّوْمِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَدَّرٌ لِلْعِبَادَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ إلَّا حَجٌّ وَاحِدٌ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اشْتِبَاهًا فِي ظَرْفِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أُذِنَ فِيهِ بِأَدَاءِ حَجٍّ آخَرَ لَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بَلْ عَلَى أَمْثَاله مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ فِي الْأَوَّلِ كَمَا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لَا يُدْفَعُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ كَوَقْتِ الظُّهْرِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبَادَةُ مَتَى أُعْمِلَتْ بِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ بِنَفْسِهَا صَارَتْ مُتَقَدِّرَةً بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ لَا بِالْوَقْتِ وَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّرْ بِالْوَقْتِ لَا يَصِيرُ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَغْرَقًا بِهِ فَلَا يَقْتَضِي تَعَيُّنُهُ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ نَفْيَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَالَّ بِمَحِلٍّ إنَّمَا يَنْفِي غَيْرَهُ إذَا اسْتَغْرَقَهُ كَالصَّوْمِ لَمَّا قُدِّرَ بِالْوَقْتِ اسْتَغْرَقَهُ وَنُفِيَ غَيْرُهُ وَالِانْتِفَاءُ بِسَبَبِ الْفَرْضِ لَيْسَ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى دَفْعِ غَيْرِهِ صَرِيحًا بَلْ بِحُكْمِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَالِّ لِلْمَحَلِّ كُلِّهِ وَلَا اسْتِغْرَاقَ إلَّا إذَا قُدِّرَتْ الْعِبَادَةُ بِالْوَقْتِ وَالْحَجُّ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْوَقْتِ فَإِنَّهُ إذَا فُسِّرَ عَنْ قَدْرِهِ قِيلَ أَنَّهُ إحْرَامٌ وَوُقُوفٌ وَطَوَافٌ كَالصَّلَاةِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ فَلَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ فَلَا يَنْفِي غَيْرَهُ وَالْأَمْرُ بِالتَّعَجُّلِ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ كَالْأَمْرِ بِتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا يَنْفِي غَيْرَهُ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ قُلْنَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ مَنْ عَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَمَّا نَوَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَلْغُو نِيَّةُ النَّفْلِ وَيَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَظُمَ أَمْرُ الْحَجِّ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ عُدِمَتْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً حُجِرَ عَنْ الصَّرْفِ إلَى التَّطَوُّعِ مَعَ قِيَامِ الْفَرْضِ صِيَانَةً لَهُ أَيْ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَوْتِ وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُكَلَّفِ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمَشَاقِّ الْكَثِيرَةِ وَتَرْكَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَاخْتِيَارَ النَّفْلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الثَّوَابَ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ أَكْثَرُ وَأَنَّ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالسَّفِيهُ عِنْدِي مُسْتَحِقُّ الْحَجْرِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا صِيَانَةً لِمَالِهِ كَالْمُبَذِّرِ فَفِي أَمْرِ الدِّينِ أَوْلَى فَيَجْعَلُ نِيَّةَ النَّفْلِ لَغْوًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْحَجْرِ وَيَبْقَى أَصْلُ نِيَّةِ الْحَجِّ وَبِهِ يَتَأَدَّى فَرْضُ الْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْفَرْضَ ثُمَّ طَافَ أَوْ وَقَفَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ تَلْغُو نِيَّتُهُ وَوَقَعَ ذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا فِي أَصْلِ الْحَجِّ وَلَا يُقَالُ لَمَّا لَغَتْ نِيَّةُ النَّفْلِ لَمْ يَبْقَ أَصْلُ النِّيَّةِ كَمَا فِي الصَّوْمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الصِّفَةُ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَوْ عُدِمَ وَصْفُ الصِّحَّةِ فِي الْحَجِّ بَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَاكَ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأَصْلِ فَإِنَّ الصِّحَّةَ إذَا عُدِمَتْ لَمْ يَبْقَ أَصْلُ الصَّوْمِ لَكِنَّا نَقُولُ الْحَجْرُ عَنْ هَذَا يُفَوِّتُ الِاخْتِيَارَ وَفَوَاتُ الِاخْتِيَارِ يُنَافِي الْعِبَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>