ثُمَّ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَاجِبٌ حَتَّى كَانَ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ الْقَاصِرَ وَالْكَمَالُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ فِيمَا قُلْنَا فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْأَصْلِ قَبِيحًا فِي الْوَصْفِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقِيقَةِ وَقَلْبُ الْأَصْلِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ كَانَ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَدِمَ الْمَشْرُوعُ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ وَالثَّانِي أَنْ يَنْعَدِمَ بِحُكْمِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ ضَرُورَاتِ كَوْنِ التَّصَرُّفِ مَشْرُوعًا أَنْ يَكُونَ مَرَضِيًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: ١٣] وَلِلْمَشْرُوعَاتِ دَرَجَاتٌ وَأَدْنَاهَا أَنْ تَكُونَ مَرْضِيَّةً وَكَوْنُ الْفِعْلِ قَبِيحًا مَنْهِيًّا يُنَافِي هَذَا الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمَشِيئَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ كَالْكُفْرِ، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَضَاءِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ تُوجَدُ لَا بِرِضَاهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمَأْمُورِ بِهِ يَكُونُ تَعَسُّفًا لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَأْبَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَالْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْحَسَنِ وَاجِبٌ.
ثُمَّ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَاجِبٌ حَتَّى إنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِعَيْنِهِ لَا لِغَيْرِهِ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ رَاجِعٌ إلَى مَفْهُومٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأَمْرِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالْحُدُودِ فَكَذَلِكَ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ أَيْ فَكَالْأَمْرِ النَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ قُبْحٌ لِعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا لِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ
١ -
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ مَا ذُكِرَ فَقَالَ وَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ قُبْحًا فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ إذْ النَّاقِصُ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمَعَ شُبْهَةِ الْعَدَمِ لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ وَالْكَمَالِ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي جَانِبِ الْحَسَنِ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْأَصْلِ قَبِيحًا فِي الْوَصْفِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْأَصْلَ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ النَّهْيَ أُضِيفَ إلَيْهِ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ أَيْ يَجْعَلُ النَّهْيَ حَقِيقَةً فِي الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقِيقَةِ أَيْ عَكْسُ مَا يَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ النَّهْيِ وَمُقْتَضَاهُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ فِيمَا لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ فَمَتَى ثَبَتَ مُقْتَضَاهُ فِيمَا لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ كَانَ عَكْسَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْكَلَامُ وَإِبْطَالُ مَا أَوْجَبَهُ وَقَلْبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ وَفِيمَا قَالُوا يَصِيرُ الْأَصْلُ تَابِعًا لِلْوَصْفِ فِي صِحَّةِ إضَافَةِ النَّهْيِ إلَيْهِ إذْ لَوْلَا الْوَصْفُ لَمْ يَصِحَّ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ مُرَادِفٌ لِلْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ بِحَقِيقَتِهِ يَقْتَضِي الْقُبْحَ فِي عَيْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ كَانَ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ وَهُوَ خُرُوجُ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَنْهِيَّةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَدِمَ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ الْقُبْحُ أَوْ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ لِمَا اقْتَضَى الْقُبْحَ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ مَعَ بَقَاءِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَكَانَ انْتِفَاؤُهَا بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ أَيْضًا كَثُبُوتِ الْقُبْحِ وَالثَّانِي أَنْ تَنْعَدِمَ بِحُكْمِ النَّهْيِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ إذْ الْمُقْتَضِي يَتَقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ لِصِحَّتِهِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ بَيَانُ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالنَّهْيِ لَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى مَشْرُوعًا لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَشْرُوعًا أَنْ يَكُونَ مَرَضِيًّا بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: ١٣] أَيْ بَيَّنَ وَأَوْضَحَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا أَمَرَ بِهِ نُوحًا وَالتَّوْصِيَةُ الْأَمْرُ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ وَشَرْعُ الشَّارِعِ ذَاتُهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الْمَشْرُوعِ مَرَضِيًّا فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِمَّا وَصَّى بِهِ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالتَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الدِّينِ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ فَأَمَّا الْمُرَادُ مِنْهُ لَوْ كَانَ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ النَّسْخُ مِنْ الشَّرَائِعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣] إذْ هِيَ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ بِمَعْنَى أَيْ فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمَا وَصَّى بِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ " ح " عَلَى أَنَّ سِوَى مَا ذَكَرْنَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَسَاهَلَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ شَرْعَ الشَّيْءِ اسْتِعْبَادٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute