للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْمَرْأَةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ أَوْ بِتَلْبِيسِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا

ــ

[كشف الأسرار]

يَفْسُدُ حَجُّهُ وَإِحْرَامُهُ وَيَبْقَى مَعَ صِفَةِ الْفَسَادِ حَتَّى لَزِمَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ لِيَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا لِأَهْلِهِ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ مَعَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّهْيَ وَالْفَسَادَ لَا يُنَافِي الشَّرْعِيَّةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَابَ عَنْ الْأُولَى بِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَهُوَ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ أَوْ بِالدَّمِ عِنْدَ الْإِحْصَارِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْمُفْسِدُ فِي رَفْعِهِ صُورَةً وَإِنْ أَثَّرَ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِيهَا مُقَارِنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْعِقَادِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُجِيبَ عَنْهُمَا بِجَوَابٍ يَشْمَلُهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ غَيْرُ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِعْلٌ وَالْإِحْرَامُ قَوْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَوْصَافِ الْقَوْلِ لَكِنَّهُ يُوجَدُ مَعَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاوَرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ الْإِحْرَامِ مُجَامِعًا نَهْيًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَمْ يُوجِبْ إعْدَامَهُ فَانْعَقَدَ صَحِيحًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْإِحْرَامَ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِحَالٍ كَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ فَسَدَ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهِ هُوَ الْجِمَاعُ مُجَاوِرٌ لَا مُتَّصِلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ مَحْظُورُهُ كَالْكَلَامِ لِلصَّلَاةِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ فَفَسَدَ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ كَمَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ بِهِ فَهَذَا مَعْنَى اسْتِدْرَاكِ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَحْظُورُهُ فَصَارَ مُفْسِدًا وَلَا يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْجِمَاعُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ حَتَّى أَفْسَدَهُ لَزِمَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْعِقَادِ إذْ الْمَنْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُوصَفُ الْجِمَاعُ بِكَوْنِهِ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُوصَفُ بِأَنَّ لَهُ مَحْظُورٌ فَلَمْ يَكُنْ الْجِمَاعُ الْمُقَارِنُ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِانْعِقَادِ فَإِذَا دَاوَمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ صَارَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ فَأَفْسَدَهُ كَمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَمَا فَسَدَ غَيْرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَازِمٌ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ بِالْأَسْبَابِ النَّاقِصَةِ مِنْ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَأَثَّرَ الْمُفْسِدُ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ ضَرُورَةً لِيَخْرُجَ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا شُرِعَ وَبَابُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقَوَاعِدِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ النَّهْيَ وَفِي وَضْعِهِ لِرَفْعِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا يَقْبَلُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ بِمَانِعٍ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَقَائِقِ.

وَذَكَرْنَا فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ انْعِقَادَهُ عَلَى الْفَسَادِ وَإِلْزَامَهُ أَفْعَالَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَوْعِ مُعَاقَبَةٍ مِنْ الشَّرْعِ وَالْمُؤَاخَذَاتُ مِنْ الشَّرْعِ عَلَى أَنْوَاعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِلْزَامُ وَإِبْقَاءُ الْمَرْءِ فِي عَهْدِهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ لِيَفْعَلَهَا وَلَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَجُّ عَنْ ذِمَّتِهِ وَلَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا نَوْعُ مُعَاقَبَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ وَفِعْلِهِ الْحَجَّ عَلَى وَجْهِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِجِنَايَةِ الْجَانِي

قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ حَتَّى كَانَ وَاقِعًا مُوجِبًا لِحُكْمٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>