للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّلَاةِ الْحَرَامِ وَالصَّوْمِ الْمَحْظُورِ يَوْمَ الشَّكِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رِعَايَةً لِمَنَازِلِ الْمَشْرُوعَاتِ وَمُحَافَظَةً لِحُدُودِهَا وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ الْفُرُوعُ كُلُّهَا مِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَمْرِ مَنْهِيٌّ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَصَلَحَ ثَمَنًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَصَارَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا وَلَا خَلَلَ فِي رُكْنِ الْعَقْدِ وَلَا فِي مَحَلِّهِ فَصَارَ قَبِيحًا بِوَصْفِهِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا بِعَبْدٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ لِصَاحِبِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْخَمْرِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَانْعَقَدَ فِي الْعَبْدِ لِوُجُودِ مَحَلِّهِ وَفَسَدَ بِفَسَادِ ثَمَنِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ يَحْتَمِلُ أَيْ يُقْبَلُ هَذَا الْوَصْفَ وَهُوَ الْفَسَادُ

١ -

قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ الْحَرَامُ) كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْمَوَاطِنِ السَّبْعَةِ وَالصَّوْمِ الْمَحْظُورِ يَوْمَ الشَّكِّ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْضَحُ لِأَنَّ المحظورية وَصْفُ الصَّوْمِ.

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورَ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالْحَلِفِ عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ مِثْلِ قَتْلِ زَيْدٍ وَسَبِّ الْأَبَوَيْنِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ أَيْ إثْبَاتُ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ صِفَةِ الْفَسَادِ رِعَايَةً لِمَنَازِلِ الْمَشْرُوعَاتِ وَهُوَ أَنْ يُنَزَّلَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمُقْتَضِي فِي مَنْزِلِهِ وَالتَّبَعُ وَهُوَ الْمُقْتَضَى فِي مَنْزِلِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ التَّبَعَ مُبْطِلًا لِلْأَصْلِ وَمُحَافَظَةً لِحُدُودِهَا وَهِيَ أَنْ يُجْعَلَ النَّهْيُ نَهْيًا وَالنَّسْخُ نَسْخًا لَا أَنْ يُجْعَلَ كِلَاهُمَا فِي الْمَشْرُوعَاتِ وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْمَشْرُوعَاتِ يَقْتَضِي بَقَاءَ مَشْرُوعِيَّتِهَا.

قَوْلُهُ (مَنْهِيٌّ بِوَصْفِهِ) وَهُوَ الثَّمَنُ أَسْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَنْ تَرَاضٍ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ الْوُصُولُ إلَى مَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَعْيَانِ فَإِنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى طَعَامٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ إلَّا بِالظَّفَرِ عَلَى مَقْصُودِهِ فَشُرِعَ الْبَيْعُ وَسِيلَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَمَّا كَانَ الِانْتِفَاعُ يَتَحَقَّقُ بِالْأَعْيَانِ لَا بِالْأَثْمَانِ إذْ لَيْسَ فِي ذَوَاتِ الْأَثْمَانِ نَفْعٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْوَسِيلَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْأَعْيَانُ أُصُولًا فِي الْبُيُوعِ وَكَانَتْ الْأَثْمَانُ أَتْبَاعًا لَهَا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَوْصَافِ فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا بِالْخَمْرِ كَانَ فَاسِدًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ فَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ وَتَسَلُّمُهُ إلَّا أَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مَالٌ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ كَذَا قِيلَ وَقِيلَ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ لِأَنَّ الْمُتَقَوِّمَ مَا هُوَ وَاجِبُ الْإِبْقَاءِ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ كَمَا عُرِفَ فَصَلَحَتْ ثَمَنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ وَلَمْ يَصْلُحْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَلَا يُمْنَعُ أَصْلُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ مَا هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ صَادَفَ مَحَلَّهُ وَهُوَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِي الرُّكْنِ وَلَا فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا الْخَلَلُ فِيمَا هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَصَارَ الْعَقْدُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ قَبِيحًا بِوَصْفِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَكَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا.

وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ الْمَالِيَّةُ فِي الْبَدَلَيْنِ وَبِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ التَّقَوُّمُ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ بِكَوْنِ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بِهَا وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩] وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِمَا انْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ كَالسِّرْقِينِ إلَّا أَنَّهُ فَسَدَ تَقَوُّمُهَا شَرْعًا ضَرُورَةَ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْهَا بِالنَّصِّ وَلِهَذَا بَقِيَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي مَحَلِّهِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ خَمْرًا بِعَبْدٍ) أَيْ بَيْعُ الْخَمْرِ بِالْعَبْدِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ بِالْخَمْرِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ دُخُولَ الْبَاءِ فِي أَحَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>