للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعَانِيهَا وَتَرْتِيبِهَا وَأَحْكَامِهَا

ــ

[كشف الأسرار]

مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ مَوْصُوفَيْنِ بِالْإِيمَانِ صِيغَةً وَلُغَةً ثُمَّ سُمِّيَ هَذَا اللَّفْظُ بِالْعَامِّ فَمَأْخَذُ اشْتِقَاقِ هَذَا الْقِسْمِ الْعُمُومُ وَقِسْ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبِهَا.

أَيْ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَمَا فِي النَّصِّ مَعَ الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْوُجُودِ كَمَا فِي الْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ، وَمَعَانِيهَا، أَيْ حَقَائِقِهَا وَحُدُودِهَا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَحْكَامِهَا، أَيْ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ بِهَا مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا قَطْعًا أَوْ ظَنًّا وَوُجُوبِ التَّوَقُّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ عَامَّةُ الشَّارِحِينَ: لَمَّا انْقَسَمَ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ عِشْرِينَ قِسْمًا ثُمَّ انْقَسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ صَارَ أَقْسَامُ الْكِتَابِ ثَمَانِينَ قِسْمًا، وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ عَلَى أَنْوَاعٍ، تَقْسِيمُ الْجِنْسِ إلَى أَنْوَاعِهِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ قَيْدٌ، وَهُوَ التَّقْسِيمُ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَقْسَامٍ، فَإِنَّك إذَا قَسَّمْت الْجِسْمَ إلَى جَمَادٍ وَحَيَوَانٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِسْمًا، وَإِذَا قَسَّمْت الْحَيَوَانَ إلَى إنْسَانٍ وَفَرَسٍ وَطَيْرٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِسْمًا وَحَيَوَانًا، وَتَقْسِيمُ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ.

وَلَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ اسْمَ الْإِنْسَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَتَقْسِيمُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى عَالِمٍ وَكَاتِبٍ وَأَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اشْتِرَاكِ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ أَيْضًا، وَمِنْ أَنْ يُوجَدَ فِي الْجَمِيعِ مَنْ يُوصَفُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْعِلْمِ وَبِالْبَيَاضِ دُونَ السَّوَادِ وَبِالْعَكْسِ لِيَتَمَيَّزَ كُلُّ قِسْمٍ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ فِيهِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مَأْخَذِ الْعَامِّ مَثَلًا بِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَا عَلَى مَأْخَذِ الْمَجَازِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَأَصْلُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ الْكِتَابُ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَاصِّ وَكَذَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَقْسَامِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ؛ وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَأْخَذِ اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ وَصْفًا لِحَقِيقَةِ الْخَاصِّ، وَهُوَ لَفْظُ الطَّوَافِ أَوْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ مَأْخَذِ اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ وَصْفًا لِحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ وَكَذَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ وَحُكْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْإِنْسَانُ أَقْسَامٌ قِسْمٌ مِنْهُ أَنَّ مَأْخَذَ اسْمِهِ الْإِنْسُ وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقِسْمٌ مِنْهُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرَسِ فِي الشَّرَفِ.

وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ أَوْصَافِ كُلِّ فَرْدٍ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِهِ إذْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ الْخَاصُّ الَّذِي مَأْخَذُ اشْتِقَاقِ اسْمِهِ كَذَا أَوْ مَعْنَاهُ كَذَا أَوْ حُكْمُهُ كَذَا لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَمَيَّزَ كُلُّ قِسْمٍ عَنْ غَيْرِهِ بِمَا يَخُصُّهُ لِيَظْهَرَ فَائِدَةُ التَّقْسِيمِ وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْخَاصَّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالْعَامَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ لَازِمَةٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ كُلِّ قِسْمٍ إذْ مَا مِنْ خَاصٍّ إلَّا وَلِاسْمِهِ مَأْخَذٌ وَلَهُ مَعْنًى وَحُكْمٌ وَتَرْتِيبٌ فَكَيْفَ يَتَمَيَّزُ خَاصٌّ عَنْ خَاصٍّ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ قِسْمَانِ قِسْمٌ مِنْهُ عَرِيضُ الْأَظْفَارِ وَقِسْمٌ مِنْهُ مُسْتَوِي الْقَامَةِ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ لَوَازِمِ كُلِّ فَرْدٍ فِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>