. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَهُوَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ غَاصِبٌ بِفِعْلِهِ عَاصٍ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ مُثَابًا بِمَا هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ.
وَلَا يُفِيدُ قَوْلَكُمْ أَمْكَنَ انْفِكَاكَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ لَكِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فِيمَا تَنَازَعْنَا فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ مَا أَمَرُوا الظَّلَمَةَ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَلَا نَهَوْا الظَّالِمِينَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْصُوبَةِ إذْ لَوْ أَمَرُوا بِهِ وَنَهُوا عَنْهَا لَانْتَشَرَ وَبِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَكْرُوهًا مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي وَإِنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُكْرَهُ لِعَيْنِهِ، ثُمَّ فِعْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَاةٌ مَطْلُوبٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَصْبٌ مَكْرُوهٌ وَالْغَصْبُ يُعْقَلُ دُونَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ تُعْقَلُ دُونَ الْغَصْبِ وَقَدْ اجْتَمَعَ الْوَجْهَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ وَمُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْوَجْهَانِ الْمُتَغَايِرَانِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ ارْتَكَبْت النَّهْيَ عَاقَبْتُك وَإِنْ امْتَثَلْت أَعْتَقْتُك فَخَاطَ الثَّوْبَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَيَصِحُّ مِنْ السَّيِّدِ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَيُعْتِقَهُ وَيَقُولَ أَطَاعَ بِالْخِيَاطَةِ وَعَصَى بِدُخُولِ الدَّارِ فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَقَدْ تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يُطْلَبُ أَحَدُهُمَا وَيُكْرَهُ الْأُخَرُ وَبِأَنْ جَمَعَهُمَا الْمُكَلَّفُ لَمْ يَخْرُجَا عَنْ حَقِيقَتِهِمَا وَهُوَ أَيْضًا كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى مُسْلِمٍ بِحَيْثُ يَمْرُقُ إلَى كَافِرٍ وَإِلَى كَافِرٍ بِحَيْثُ يَمْرُقُ إلَى مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيُمْلَكُ سَلَبُ الْكَافِرِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ سَبَبًا لِذَلِكَ وَيُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ قِصَاصًا لِتَضَمُّنِ فِعْلِهِ الْوَاحِدِ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوا إنَّهُ غَاصِبٌ بِفِعْلِهِ وَلَا فِعْلَ لَهُ إلَّا قِيَامَهُ وَرُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ فَكَانَ مُتَقَرِّبًا بِعَيْنِ مَا هُوَ غَاصِبٌ بِهِ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ عَاصِيًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَ الدَّارِ وَمُتَقَرِّبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَقَدْ يُعْلَمُ كَوْنُهُ غَاصِبًا مَنْ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مُصَلَّيَا وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ مُصَلِّيًا مَنْ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ غَاصِبًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ وَلَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا لَكَانَ غَاصِبًا فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا يَتَقَرَّبُ بِأَفْعَالِهِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَفْعَالُ شَرْطًا لِكَوْنِهِ غَاصِبًا فَثَبَتَ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ مُخْتَلِفَانِ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ وَاحِدًا وَلَمَّا فَرَّغَ الشَّيْخُ مِنْ بَيَانِ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ شَرَعَ فِي جَوَابِ مَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ فَقَالَ وَهَذَا يُخَالِفُ أَيْ بَقَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ يُخَالِفُ بَيْعَ الْحُرِّ أَوْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفُرُوعِ يُخَالِفُ بَيْعَ الْحُرِّ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّهْيَ فِيهَا لَمْ يَقْتَضِ بَقَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ حَتَّى بَطَلَتْ أَصْلًا وَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهَا بُيُوعٌ أُضِيفَتْ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَلَا بُدَّ لِلِانْعِقَادِ مِنْ الْمَحَلِّ فَبَطَلَتْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَصَارَ النَّهْيُ عَنْهَا مُسْتَعَارًا لِلنَّفْيِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ وَاسْتِعَارَةُ النَّهْيِ لِلنَّفْيِ صَحِيحَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَابَهَةِ وَهِيَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي نَفْسِ الرَّفْعِ فَأَحَدُهُمَا بِرَفْعِ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ بِرَفْعِ الصِّفَةِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْعَدَمِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمٌ وَلِهَذَا صَحَّتْ اسْتِعَارَةُ النَّفْيِ لِلنَّهْيِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] وَالْمَضَامِينُ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَصْلَابُ الْفُحُولِ وَمِنْهُ قَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute