للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

مَاءَ الرَّجُلِ يَخْتَلِطُ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ فِي الرَّحِمِ وَيَصِيرَانِ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْسَانِ يَعْتِقُ وَيُوصَى لَهُ وَيَرِثُ وَبَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَاءِ بَعْضِيَّةٌ وَكَذَا بَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَهَذَا الْمَاءِ فَيَصِيرُ بَعْضُهَا مُخْتَلِطًا بِبَعْضِهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْبَعْضِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا، وَالْبَعْضِيَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْوَاطِئِ وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهَا وَإِذَا ثَبَتَ لِلْمَاءِ وَالْمَاءُ بَعْضُهُمَا تَعَدَّتْ الْبَعْضِيَّةُ إلَيْهِمَا ثُمَّ لَمَّا صَارَ هَذَا الْمَاءُ إنْسَانًا اسْتَحَقَّ سَائِرَ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ فَيَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِ لِلْبَعْضِيَّةِ أَعْنِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتُهَا وَأَبَاءُ الْوَاطِئِ وَأَبْنَاؤُهُ لِلْبَعْضِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ هَذِهِ الْحُرْمَةَ إلَى الطَّرَفَيْنِ لِتَعَدِّي الْبَعْضِيَّةِ مِنْهُ إلَيْهِمَا أَيْ يَتَعَدَّى حُرْمَةَ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَرْأَةِ وَحُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ إلَى الرَّجُلِ لِصَيْرُورَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَعْضًا لِلْآخَرِ بِوَاسِطَتِهِ لِأَنَّ جُزْأَهُ صَارَ جُزْءًا مِنْهَا إذْ الْوَلَدُ مُضَافٌ بِكَمَالِهِ إلَيْهَا وَجُزْؤُهَا صَارَ جُزْءًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِتَمَامِهِ أَيْضًا فَصَارَ الْوَلَدُ عَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَهُمَا بِالْبَعْضِيَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ بَيْنَهُمَا بِوَاسِطَتِهِ حُكْمًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى تَعْلِيلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِهِ حَيْثُ قَالَ كَيْفَ تَبِيعُونَهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ ثُمَّ أُقِيمَ الْوَطْءُ مَقَامَ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُلُوقِ مُتَعَذِّرٌ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ مُفْضٍ إلَيْهِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَجُعِلَ الْوَلَدُ كَالْحَاصِلِ تَقْدِيرًا وَاعْتِبَارًا لِلِاحْتِيَاطِ وَكَمَا أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ مُفْضٍ إلَيْهِ فَكَذَا الْحَرَامُ مُفْضٍ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَيْضًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَعْضًا لِلْآخَرِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْبَعْضِ حَرَامٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ النَّسْلِ كَمَا سَقَطَتْ حَقِيقَةُ الْبَعْضِيَّةِ فِي حَقِّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهَذَا الْمَعْنَى حَتَّى حَلَّتْ حَوَّاءُ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ خُلِقَتْ مِنْهُ حَقِيقَةً، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْبَعْضِيَّةُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحُرْمَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ هَذِهِ الْبَعْضِيَّةِ بِالْمَحَلِّ فَإِنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ إنَّمَا يَكُونُ حَرْثًا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي خُلِقَ مَنْبَتًا لَهُ وَذَلِكَ النِّسَاءُ لَا الرِّجَالُ إلَّا أَنَّ إتْيَانَ دُبُرِ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ عِنْدَنَا لِمَعْنَى الْمِسَاسِ عَنْ شَهْوَةٍ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَطْءِ الَّذِي هُوَ حَرْثٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الرَّجُلِ سَبَبًا لِوَطْءٍ هُوَ حَرْثٌ وَالْبَعْضِيَّةُ فِي الْحَرْثِ فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُرْمَةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

فَلِهَذَا قُلْنَا لَا تَثْبُت الْحُرْمَةُ بِاللِّوَاطَةِ وَلَا بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ وَلَا بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَرَامَةِ كَمَا قَالَ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ حَرْثٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُبَاحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ، وَالْكَرَامَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَرْثٌ فَيَكُونُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مُضَافَةً إلَى مَا هُوَ مُبَاحٌ لَا إلَى مَا هُوَ مَحْظُورٌ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِهَا الْفِعْلَ زِنًا تُرْجِمَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَبِلَتْ بِهِ كَانَ لِذَلِكَ الْوَلَدِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَيَكُونُ نَسَبُهُ ثَابِتًا مِنْهَا وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَيْهِ وَيُتَوَقَّفُ فِي رَجْمِ الْأُمِّ إلَى أَنْ تَلِدَ وَيَنْقَطِعَ الرَّضَاعُ وَثُبُوتُ هَذَا كُلِّهِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ لِأَنَّهُ حَرْثٌ لَا لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>