للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ أَدْوَنُ الْحَقَّيْنِ بِالْحَرَمِ فَأَعْلَاهُمَا أَوْلَى وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الْقَتْلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا إذَا الْتَجَأَ إلَيْهِ وَقَالَ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَمَنْ حَجَّهُ فَدَخَلَهُ كَانَ آمِنًا مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا أَوْ مِنْ النَّارِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ عَنْ كَلَامِهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ بِالْآحَادِ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ خُصُوصٌ فَبَقِيَ قَطْعِيًّا فَلَا يُعَارِضُهُ الدَّلَائِلُ الظَّنِّيَّةُ.

وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْنِ لِلْجَانِي الدَّاخِلِ فِي الْحَرَمِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْبَارِزَ فِي دَخَلَهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَيْتِ لَا إلَى الْحَرَمِ فَإِنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْمَذْكُورُ إلَّا إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي الْجَانِي إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ أَيْضًا لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا سَلَّمَ الْخَصْمُ أَنَّ دُخُولَ الْبَيْتِ يُفِيدُ الْأَمْنَ وَلَكِنَّ دُخُولَ الْحَرَمِ لَا يُفِيدُهُ فَالْإِلْزَامُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَصِيرُ آمِنًا بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْتِ وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ فِي الْبَيْتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَلْوِيثِهِ بَلْ يُؤْخَذُ وَيُخْرَجُ مِنْ الْبَيْتِ وَيُقْتَلُ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَصِيرُ آمِنًا بِالدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ وَلَا يُقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَيْنَ الْكَعْبَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: ٩٧] وَمَقَامُ إبْرَاهِيمَ خَارِجَ الْبَيْتِ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّا نَقُولُ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ مَا قَامَ عِنْدَهُ إبْرَاهِيمُ وَتَعَبَّدَ، وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ يَقُومُ فِي الْبَيْتِ وَلَا يُقَالُ أَيْضًا إنَّ الْبَيْتَ لَمَّا صَارَ مَأْمَنًا لَهُ صَارَ الْحَرَمُ مَأْمَنًا لَهُ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَرِيمِهِ لِأَنَّا نَقُولُ حُرْمَةُ التَّبَعِ دُونَ حُرْمَةِ الْمَتْبُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْبَيْتِ مَأْمَنًا لِلْجَانِي أَنْ يَكُونَ الْحَرَمُ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْبَيْتِ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ كَوْنُ الْحَرَمِ كَذَلِكَ.

وَمِنْ الطَّوَافِ حَوْلَ الْبَيْتِ وُجُوبُهُ حَوْلَ الْحَرَمِ، وَمِنْ وُجُوبِ تَبْرِئَةِ الْبَيْتِ عَنْ النَّجَاسَاتِ وُجُوبُ تَبْرِئَةِ الْحَرَمِ عَنْهَا فَكَذَلِكَ هَذَا كَذَا فِي طَرِيقَةِ الصَّدْرِ الْحَجَّاجِ قُطْبِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ صِفَةَ " الْأَمْنِ " تَعُمُّ الْبَيْتَ وَالْحَرَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: ٦٧] وَقَالَ إخْبَارًا عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: ١٢٦] وَلِهَذَا ثَبَتَ الْأَمْنُ لِلصَّيْدِ بِدُخُولِ الْحَرَمِ فَلَا مَعْنَى لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ وَلَمَّا أَخَذَ الْحَرَمُ حُكْمَ الْبَيْتِ فِي الْأَمْنِ صَارَ الْبَيْتُ وَالْحَرَمُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى الْبَيْتِ مُتَنَاوِلًا لِلْحَرَمِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [آل عمران: ٩٧] وَلَمْ يَقُلْ فِي حَرَمِهِ آيَاتٌ مَعَ أَنَّ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ خَارِجَ الْبَيْتِ وَمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ هُوَ الْبَيْتُ بِاعْتِبَارِ عِبَادَتِهِ فِيهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِذَلِكَ.

وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: ٩٧] فَسَّرَ الْآيَاتِ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ إذْ هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِآيَاتٍ وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الْبَيْتِ مُتَعَبَّدًا لَهُ آيَةٌ بَلْ هِيَ ظُهُورُ أَثَرِ قَدَمِهِ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَغَوْصُهُ فِيهَا إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِبْقَاؤُهُ دُونَ سَائِرِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ لِإِبْرَاهِيمَ خَاصَّةً، وَحِفْظُهُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَلَاحِدَةِ أَلْفَ سَنَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قِيلَ فِيهِ آيَاتٌ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوا لَقِيلَ هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ فَثَبَتَ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَصْلَ الطَّرَفِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْأَمْنُ ثَبَتَ لِلْأَنْفُسِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ} [آل عمران: ٩٧] يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ لَا الْأَطْرَافَ إلَّا أَنَّ الْأَمَانَ يَثْبُتُ فِيهَا تَبَعًا لِلنَّفْسِ حَتَّى لَمْ يُحِلَّ الْجِنَايَةَ عَلَى أَطْرَافِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>