وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْأَخَصَّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ مُتَيَقَّنٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْكُلِّ فِيمَا دُونَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ الْفَرْدُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَلِهَذَا يُؤَكَّدُ بِمَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَيْ احْتِمَالَ الْمَجَازِ وَاحْتِمَالَ الْبَعْضِ فَيُقَالُ جَاءَنِي الْقَوْمُ أَنْفُسُهُمْ كُلُّهُمْ أَوْ أَجْمَعُونَ وَلَا يُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ كُلُّهُ أَوْ جَمِيعُهُ، وَإِذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ وَالِاشْتِبَاهُ فِيهِ مَوْضُوعُهُ الْأَصْلِيُّ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ.
وَأَشَارَ إلَى الِاشْتِرَاكِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ ذُكِرَ الْجَمْعُ) أَيْ صِيغَةُ الْجَمْعِ (وَأُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ) أَيْ الْبَعْضُ الْخَاصُّ (مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يُوَافِيَهُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فَلَمَّا دَنَا الْمَوْعِدُ رُعِبَ وَنَدِمَ وَجَعَلَ لِنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُخَوِّفَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ الَّذِينَ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: ١٧٣] أَيْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ (وَإِنَّمَا هُوَ الْوَاحِدُ) إنَّ النَّاسَ أَيْ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ أَيْ الْجَيْشَ لِقِتَالِكُمْ فَاخْشَوْهُمْ وَلَا تَأْتُوهُمْ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ إيمَانًا أَيْ ثُبُوتًا فِي دِينِهِمْ وَإِقَامَةً عَلَى نُصْرَةِ نَبِيِّهِمْ وَلَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الصِّيَغُ فِي الْخُصُوصِ اسْتِعْمَالًا شَائِعًا كَمَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْعُمُومِ بَلْ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْخُصُوصِ أَكْثَرُ فَقَلَّ مَا وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصُ قَضَيْنَا بِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ إذْ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ كَمَا قَضَيْنَا بِاشْتِرَاكِ اسْمِ الْعَيْنِ لَمَّا رَأَيْنَا الْعَرَبَ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْعَيْنِ فِي مُسَمَّيَاتِهِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا مُتَشَابِهًا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ مَجَازٌ فِي الْخُصُوصِ فَهُوَ مُتَحَكِّمٌ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى الْعَكْسِ وَإِذَا ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ لَا مَحَالَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُرَادِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي قَدْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ بِالتَّأَمُّلِ وَبِالْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ قَوْلُهُ (وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَخَصِّ الْخُصُوصِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْمَالِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ ثُمَّ تَنَاوَلَ اللَّفْظَ لِلْأَخَصِّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ مُتَيَقَّنٌ لِثُبُوتِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَعْنِي تَقْدِيرَ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَتَقْدِيرَ إرَادَةِ الْخُصُوصِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْعُمُومِ مُحْتَمَلٌ فَالْعَمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَجَعْلُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَلَكِنْ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَتْ مُشْتَرَكَةً وَوُرُودُ هَذِهِ النُّصُوصِ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَارَتْ مُشْتَرَكَةً فَلَوْ اعْتَقَدْنَا فِيهَا الْعُمُومَ لَا نَأْمَنُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْخُصُوصَ إذْ أَكْثَرُ الْعُمُومَاتِ غَيْرُ مُسْتَوْعَبَةٍ، وَلَوْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ أَوْ بِأَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا قَالُوا لَا نَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ إذْ احْتِمَالُ إرَادَةِ الْعُمُومِ قَائِمٌ أَيْضًا فَقُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ وَبِالْعُمُومِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ احْتِيَاطًا وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الْخَبَرِ دُونَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّكْلِيفِ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ التَّكْلِيفُ عَامًّا، بِخِلَافِ الْخَبَرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَكْلِيفٌ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَالَهُ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ عَكَسَ الْأَمْرَ أَنَّ احْتِمَالَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute