للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَلَّامَةِ وَأُسْتَاذِ الْأَئِمَّةِ مَوْلَانَا حَافِظِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّاتِهِ وَكَانَ الْمَجْلِسُ غَاصًّا بِالْعُلَمَاءِ النَّحَارِيرِ وَالْفُضَلَاءِ الْحُذَّاقِ الْمُهْرَةِ إذْ جَرَى الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْكِبَارِ تَعْمِيمُ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ مُخْتَصٌّ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ وَبِكَلِمَةٍ أَيْ دُونَ مَا عَدَاهُمَا وَتَمَسَّكَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَالنَّظَائِرِ فَلَمْ يُقَابِلْ بِرَدِّ مَسْمُوعٍ وَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ جَوَابًا شَافِيًا وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى حَاشِيَةِ تَقْوِيمِ مَقْرُوءٍ عَلَى شَيْخِنَا هَذَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَالنَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ وَفِي مَوْضِعِ التَّحْرِيضِ يَتَعَمَّمُ فَأَمَّا فِي مَوْضِعِ الْجَزَاءِ وَالْخَبَرِ فَلَا يَتَعَمَّمُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى. {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَكَقَوْلِك جَاءَنِي رَجُلٌ عَالِمٌ.

ثُمَّ النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ أَنَّمَا يَتَعَمَّمُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ إثْبَاتٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ أَخْرَجَهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ تَقْدِيرًا وَالِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ بِمُسْتَقْبَلٍ بِنَفْسِهِ فَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَفْيٍ فَيَتَعَمَّمُ مَا دَخَلَ مِنْ النَّكِرَاتِ تَحْتَهُ ضَرُورَةَ وُقُوعِهَا فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ وَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا كُوفِيًّا وَلَا رَجُلًا بَصْرِيًّا وَلَا مَكِّيًّا وَلَا مَدَنِيًّا حَتَّى عَدَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ ثُمَّ قَالَ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ رَجُلٌ كُوفِيٌّ عَامًّا فِي صَدْرِ الْكَلَامِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ بَقِيَ كَذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ أَيْضًا فَيَتَعَمَّمُ. وَهَذَا مُؤَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ كُلَّمَا حَلَفْت بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَاحِدَةً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَيْهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ وَكَانَ الْخِيَارُ إلَى الزَّوْجِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَاحِدَةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوَاحِدَةِ وَعِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْوَاحِدَةِ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى إحْدَيْهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ فَكَذَلِكَ هَذَا إلَّا أَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّرْطِ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ لَا أَحْلِفُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا وَإِنْ حَلَفْت بِذَلِكَ فَكَذَا وَالنَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ تَعُمُّ وَالْكِنَايَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ فَهِيَ لَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا وَلَا تُفِيدُ إذَا انْقَطَعَتْ عَنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُهَا مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ لِتَصِيرَ مُفِيدَةً وَلَمَّا عَمَّ الْمُكَنَّى بِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُ الْكِنَايَةِ مِنْ الْمُكَنَّى لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا صَارَتْ الْكِنَايَةُ عَامَّةً أَيْضًا فَلَمَّا كَرَّرَ فَقَدْ صَارَ حَالِفًا بِطَلَاقِهِمَا فَحَنِثَ فِي الْأُولَى وَمِنْ حُكْمِ الْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ كُلِّ امْرَأَةٍ صَارَتْ مَحْلُوفًا بِطَلَاقِهَا وَقَدْ صَارَتَا كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ طَلَقَتَا بِخِلَافِ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ فَوَاحِدَةٌ مِنْكُمَا طَالِقٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَزَاءِ مَوْضِعُ إثْبَاتٍ فَتُخَصُّ فَصَارَ حَالِفًا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا غَيْرُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةٌ غَيْرُ عَيْنٍ. يُوَضِّحُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَعَمْرَةُ تَطْلُقُ عَمْرَةُ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَعَمْرَةُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ مَفْهُومُ الْمَعْنَى مُسْتَنِدٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعَرُّفِ حُكْمِهِ مِمَّا سَبَقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعَمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُهُ مِمَّا سَبَقَ وَأَمَّا عُمُومُ كَلِمَةِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ فَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>