وَمِثَالُهُ أَيْضًا قَوْلُنَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى شَهْرٍ أَنَّهُ مُتْعَةٌ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ نَصٌّ لِمَا وُضِعَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُتْعَةُ مَجَازًا فَأَمَّا قَوْلُهُ إلَى شَهْرٍ فَحُكْمٌ فِي الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ النِّكَاحَ مَجَازًا فَحُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْحُكْمِ.
وَضِدُّ الظَّاهِرِ الْخَفِيُّ وَحُكْمُهُ النَّظَرُ فِيهِ لِيُعْلِمَ اخْتِفَاءَهُ لِمَزِيَّةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَيَظْهَرُ الْمُرَادُ وَمِثَالُهُ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ النَّبَّاشِ وَالطِّرَارِ وَقَدْ اخْتَصَّا بِاسْمٍ خَفِيَ بِهِ الْمُرَادُ وَطَرِيقُ النَّظَرِ فِيهِ أَنَّ النَّبَّاشَ اخْتَصَّ بِهِ لِقُصُورٍ فِي فِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَرِقَةٌ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَارَقَةِ عَنْ عَيْنِ الْحَافِظِ الَّذِي قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضٍ وَالنَّبَّاشُ هُوَ الْآخِذُ الَّذِي يُعَارِضُ عَيْنَ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ لِذَلِكَ غَيْرُ حَافِظٍ وَلَا قَاصِدٍ وَهَذَا مِنْ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ وَكَذَلِكَ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَرِ الْمَأْخُوذِ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ النَّبَّاشِ فِي غَايِهِ الْقُصُورِ وَالْهَوَانِ
ــ
[كشف الأسرار]
إلَى الصَّلَاحِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ أَصْلًا لَا يُقَالُ صَدَقْت وَصَلَحْت بَلْ هُوَ مُحْكَمٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقًا بَلْ يَكُونُ رَدًّا لِكَلَامِهِ بِابْتِدَاءِ أَمْرٍ لَهُ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ وَتَرْكِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ.
قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ أَيْضًا) أَيْ نَظِيرُ تَرْجِيحِ الْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَتَرْكُ الْأَدْنَى بِهِ أَيْضًا قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى شَهْرٍ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا أَوْ إلَى شَهْرٍ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك أَنَّهُ مُتْعَةٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْخَمْرِ وَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَالطَّلَاقِ إلَى شَهْرٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا شَهْرًا وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْته وَلَوْ أَدْرَكْته مَيِّتًا لَرَجَمْت عَلَى قَبْرِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ إلَى شَهْرٍ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَ الْمِلْكِ بِالْمُدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمُدَّةِ وَعَقْدُ الْمُتْعَةِ حِينَ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مُوقَنًا كَالْإِجَارَةِ فَلَمَّا قَالَ إلَى شَهْرٍ وَهَذَا لَا يَلِيقُ إلَّا فِي عَقْدِ الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ الْيَوْمَ وَلَفْظُ التَّزَوُّجِ وَالنِّكَاحِ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِمِلْكِ التَّمَتُّعِ بِهَا صَارَ الْمُحْتَمَلُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِهِ مَحْمُولًا عَلَى الْمُحْكَمِ مِنْ سِيَاقِهِ. وَهَذَا كَالْمُضَارِّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلّه لِلْعَامِلِ كِنَايَةً عَلَى الْإِقْرَاضِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كِنَايَةً عَنْ الْإِبْضَاعِ وَإِذَا تَعَيَّنَ كِنَايَةً عَنْ الْمُتْعَةِ فَسَدَ لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِهَذَا الْعَقْدِ لَا لِشَرْطٍ فَاسِدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُ الْقَاطِعِ بَعْدَ شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا الْعَقْدَ مُؤَبَّدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الشَّرْطُ هُنَاكَ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَهُنَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلِمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَأْكِيدَ مَعْنَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّ النِّكَاحَ بِعَقْدٍ لِلْعُمْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا مُدَّةً قَدْ يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَعِنْدَنَا الْكُلُّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ فَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ إثْبَاتُ مِلْكِ الْبُضْعِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمِلْكِ التَّمَتُّعِ بِهَا وَالِازْدِوَاجِ مَعَهَا كَمَا ذَكَرْنَا فَحُكْمٌ فِي الْمُتْعَةِ أَيْ فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ النِّكَاحُ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ إلَى شَهْرٍ.
قَوْلُهُ (مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ الْخَفِيِّ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ عَلَى كُلِّ سَارِقٍ لَمْ يَخْتَصَّ بِاسْمٍ آخَرَ سِوَى السَّرِقَةِ خَفِيَ فِي حَقِّ مَنْ اخْتَصَّ بِاسْمٍ آخَرَ كَالطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ فَإِنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَنَّ اخْتِصَاصَهُمَا بِهَذَا الِاسْمِ لِنُقْصَانٍ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّبَّاشِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْطَعُ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute