حَتَّى كَثُرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَا عَنْ الْعَجْزِ وَالضَّرُورَاتِ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ بِالْمُقْتَضَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ الْعَوَارِضُ الْأَلْفَاظُ عَلَى مَا مَرَّ وَالْمَجَازُ مَلْفُوظٌ فَإِذَا وُجِدَ دَلِيلُ الْعُمُومِ فِيهِ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ فَأَمَّا الْمُقْتَضَى فَغَيْرُ مَلْفُوظٍ لَا تَحْقِيقًا وَلَا تَقْدِيرًا بَلْ هُوَ ثَابِتٌ شَرْعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْعُمُومُ بِخِلَافِ الْمَحْذُوفِ فَإِنَّهُ مَلْفُوظٌ تَقْدِيرًا فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلِهِ. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ الْمُقْتَضَى إذَا كَانَ ثَابِتًا لُغَةً يُوجِبُ الْعُمُومَ فَأَمَّا إذَا كَانَ ثَابِتًا شَرْعًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ صُيِّرَ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَفِي قَوْلِهِ حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إشَارَةً إلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ مِنْهُمْ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَاتِّبَاعُهُمَا مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ الْمَجَازَ كَذِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ نَافِيهِ وَإِذَا كَانَ صِدْقًا كَانَ إثْبَاتُهُ كَذِبًا ضَرُورَةً وَإِذَا كَانَ كَذِبًا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَجَازَ هُوَ اسْتِعَارَةُ الْكَلِمَةِ لِغَيْرِ مَا وُضِعَتْ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي الْحَاجَةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْحَاجَةِ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ لَوْ كَانَ وَاقِعًا فِي الْقُرْآنِ لَصَحَّ وَصْفُهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَجَوِّزًا لِصُدُورِ التَّكَلُّمِ بِالْمَجَازِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ بِحَيْثُ لَا وَجْهَ إلَى إنْكَارِهِ وَنَظَائِرُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَقَوْلُهُمْ الْمَجَازُ كَذِبٌ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى وَهْمٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ كَذِبَهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ لِلْحَقِيقَةِ كَقَوْلِنَا هُوَ أَسَدٌ بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِأَسَدٍ بِالْحَقِيقَةِ لِتَنَاقُضِهِمَا ح.
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ بِالْمَجَازِ كَقَوْلِنَا لَيْسَ بِأَسَدٍ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ أَسَدٌ بِالْمَجَازِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ النَّفْيِ كَذِبُ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَافَيَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَجَوِّزًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ فِي أُصُولِهِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَذَكَرَ شُبْهَتَهُمْ ثُمَّ افْتِرَاقَ هَؤُلَاءِ فِي كَلِمَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ طَرِيقُهَا الْمَجَازُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ بَعْضَهُمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَقَوَّلَ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] وَقَوْلُهُ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: ٧٧] إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إنْطَاقِ الْأَرْضِ لِأَنْبِيَائِهِ وَعَلَى خَلْقِ الْإِرَادَةِ فِي الْجِدَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَجَازَاتِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ أَنَّهَا مِنْهُ وَقَالَ لَعَلَّهَا مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي غُيِّرَ مِنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامِيَّةُ مِنْ الرَّافِضَةِ فِي دَعْوَاهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ غَيَّرَتْ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَزَادَتْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَنَقَضَتْ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ إمَامَةِ عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ وَزَعْمِهِمْ أَيْضًا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ مَجَازَاتٍ فَهُوَ مَنْ زِيَادَاتِ الْمُبَدِّلِينَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا الَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُودَ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ مَجَازٌ لَكَانَ كَذِبًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] كَذِبًا؛ لِأَنَّ إنَّا وَنَحْنُ لِلْجَمَاعَةِ دُونَ الْوَاحِدِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ.
وَإِنْ قَالُوا صَحَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ فَهُوَ الْمَجَازُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ مُنْكِرَ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقُولَ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّةُ أَوْ يَقُولَ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا قَالَ غَيْرُهُمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: ٩] مَجَازًا وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: ١] مَجَازًا وَأَمَّا الرَّافِضَةُ الْمُدَّعِيَةُ أَنَّ الْمَجَازَاتِ كُلَّهَا مِمَّا غَيَّرَتْهَا الصَّحَابَةُ فَلَا كَلَامَ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute