للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا عَتَقَ النِّصْفُ الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ وَفِي الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ يَسْتَوِيَانِ وَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ كَانَ مُصَدَّقًا فِي الْحُكْمِ وَالدِّيَانَةِ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ كَانَ مُصَدَّقًا فِي الدِّيَانَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ الْحُكْمَ لِسَبَبِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَاسْتَعَارَ السَّبَبَ لِحُكْمِهِ فِي الثَّانِي.

وَأَمَّا الِاتِّصَالُ الثَّانِي فَيَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ

ــ

[كشف الأسرار]

لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِهِ يُعَدُّ صَادِقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَمُطْلَقِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ يَتَقَيَّدُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَهَهُنَا مُطْلَقُ الْمِلْكِ يَتَقَيَّدُ بِالِاجْتِمَاعِ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إذَا أَرَادَ تَفْهِيمَ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَعَا بِحَمَّالٍ كَانَ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ فَيَقُولُ يَا فُلَانٌ هَلْ مَلَكْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتهَا قَطُّ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى أَصْحَابِهِ كَمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مُتَفَرِّقًا وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِ هَذَا: الْمُجْتَمِعُ دُونَ الْمُتَفَرِّقِ.

وَالثَّانِي الْحَلِفُ عَلَى شِرَاءِ عَبْدٍ مُنَكَّرٍ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِنَفْسِهِ عَتَقَ هَذَا النِّصْفُ بِخِلَافِ الْمِلْكِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمِلْكِ بِصِفَةِ الْعَبْدِيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَتَحَقَّقُ فَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي كَوْنِهِ مُشْتَرٍ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَمُتَحَقِّقٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُشْتَرًى لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِهِ أَلَا تَرَى لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ بَيْعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْكُلُّ فِي عَقْدِهِ فَوَجَبَ الْحِنْثُ. إلَّا أَنْ يَعْنِي أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا كَامِلًا فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ.

وَالثَّالِثُ.

وَالرَّابِعُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ عَلَى مِلْكِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْتِقُ النِّصْفُ الْبَاقِي فِي الْفَصْلَيْنِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا صِفَةُ الْعُمْرَانِ وَيُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ. وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يُسْتَخْبَرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ مَا مَلَكْت أَلْفَ دِرْهَمٍ مُرِيدًا بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا بِصِفَةِ الِافْتِرَاقِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا يُسْتَخْبَرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنِ لَا يَقُولُ مَا مَلَكْت هَذَا الْأَلْفَ إذَا مَلَكَهُ مُتَفَرِّقًا.

وَذَلِكَ لِأَنَّ بِدُونِ الْإِشَارَةِ إلَى الْمُعَيَّنِ قَصْدُهُ نَفْيُ الْغَنَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْغَنَاءُ إذَا كَانَ مَلَكَهُ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْمُعَيَّنِ قَصْدُهُ نَفْيُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَحَلِّ وَقَدْ كَانَ مِلْكُهُ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ ثَابِتًا وَإِنْ كَانَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ الْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَتَقَ النِّصْفُ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ. فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ حِين اشْتَرَاهُ عَتَقَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَنُوبَ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَيَعْتِقُ لِوُجُودِ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَعْتِقُ النِّصْفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ ثُمَّ يَجِبُ السِّعَايَةُ فِي النِّصْفِ أَوْ الضَّمَانُ لِلِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ) . هَذَا هُوَ التَّقْرِيبُ يَعْنِي إنْ عَنَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ حَتَّى لَا يَشْتَرِطَ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ فَيَعْتِقَ النِّصْفُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ. لِسَبَبِهِ أَيْ لِعِلَّتِهِ فَيَجُوزُ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَالسَّبَبُ لَفْظٌ عَامٌّ يُطْلَقُ عَلَى الْعِلَّةِ وَعَلَى السَّبَبِ الْمُصْطَلَحِ يُقَالُ النِّكَاحُ سَبَبُ الْحِلِّ وَالْبَيْعُ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعِلَّةُ.

وَإِنْ نَوَى بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ فَلَا يَعْتِقُ النِّصْفُ الْبَاقِي يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ السَّبَبَ أَيْ الْعِلَّةَ لِحُكْمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>