للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا قُلْنَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى مَضْمُونِهَا عَلَى الْعُمُومِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَجَازُ أَغْلَبَ اسْتِعْمَالًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِبَرُ لِلْمَجَازِ وَهَذَا أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي خَلْفِيَّةِ الْمَجَازِ فَعِنْدَ هُمَا لَمَّا كَانَتْ الْخَلَفِيَّةُ بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ الْعِبَارَةِ كَانَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ رَاجِعٌ عَلَى حُكْمِ الْحَقِيقَةِ لِدُخُولِ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ تَحْتَ عُمُومِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَتْ الْخَلَفِيَّةُ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ لَا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فِي عِبَارَتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُجْعَلُ عِبَارَةً قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَةٍ ثُمَّ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْمَجَازِ مَقْصُودًا لَا أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى مَا عَرَفْته لَا يُثْبَتُ الْمُزَاحِمَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ عَامِلًا فِي حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى أَعْمَالِهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فِيمَا تَعَذَّرَ إعْمَالُهُ فِي حَقِيقَتِهِ هَذَا بَيَانُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ إذَا كَانَ عُمُومُهُ مُتَنَاوِلًا لِلْحَقِيقَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى حُكْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلْحَقِيقَةِ.

وَذُكِرَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرَجُّحِهِ بِكُلِّ حَالٍ فَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَجَازُ أَغْلَبَ اسْتِعْمَالًا فَعِنْدَهُمَا الْعِبْرَةُ لِلْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ بِمُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ سَاقِطٌ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ كَالْمَهْجُورَةِ وَعِنْدَ الْعِبْرَةِ لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ مُمْكِنٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُرَجِّحٍ وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَصْلُحُ مُرَجِّحَةً؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَكَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِي حَدِّ التَّعَارُضِ فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَهْجُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ هُنَاكَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْمَجَازِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ التَّعَارُفِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمُرَادُ بِهِ التَّعَارُفُ بِالتَّعَامُلِ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ الْمُرَادُ التَّعَارُفُ بِالتَّفَاهُمِ وَقَالَ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا قَالَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ قَوْلَهُمَا بِدَلِيلِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ آدَمِيٍّ أَوْ خِنْزِيرٍ حَنِثَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّفَاهُمَ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُمَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً.

قَوْلُهُ (يَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا) ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولَةٌ عَادَةً فَإِنَّهَا تُقْلَى فَيُؤْكَلُ وَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْكِشْكُ وَالْهَرِيسَةُ وَقَدْ يُؤْكَلُ أَيْضًا نِيًّا حَبًّا فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً يَمْضُغُهَا كَمَا هِيَ لِيَخْتَبِرَ أَنَّهَا رَخْوَةٌ أَمْ عَلِكَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ عَيْنُهَا مَأْكُولَةٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ.

وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ أَكْلِ الْحِنْطَةِ أَكْلَ مَا فِي بَطْنِهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ يَقَعُ يَمِينُهُ عَلَى مَضْمُونِهَا أَيْ عَلَى الْأَجْزَاءِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْحِنْطَةُ لِلتَّعَارُفِ وَكَوْنِ الْحَقِيقَةِ دَاخِلَةً فِي عُمُومِ الْمَجَازِ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْأَيْمَانِ الْأَصْلِ إلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ وَلَكِنَّهُ خَالَفَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ التَّعَارُفُ فِي حِنْطَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لَا فِي حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا أَلَا تَرَى إنَّك فِي قَوْلِك فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ لَا تُرِيدُ حِنْطَةً مُعَيَّنَةً وَلَا اسْتِغْرَاقَ جِنْسِ الْحِنْطَةِ وَاللَّامُ فِيهَا يُفِيدُ تَعْرِيفَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُفُ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا أَوْ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَا إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى حِنْطَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً وَفِي التَّهْذِيبِ لِمُحْيِي السُّنَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْحِنْطَةِ فَلَهُ أَحْوَالٌ ثَلَاثٌ أَحَدُهَا أَنْ يُشِيرَ إلَى حِنْطَةٍ فَيَقُولُ لَا آكُلُ هَذِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا سَوَاءٌ أَكَلَهَا كَذَلِكَ أَوْ طَحَنَهَا فَأَكَلَ الطَّحِينَ أَوْ خَبَزَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>