غَيْرَ عَامٍّ وَلَا مُجْمَلٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ حُكْمَ النَّصِّ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ التَّحْصِيلُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُقَارَنَةٍ أَوْ تَرْتِيبٍ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْمُقَارَنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِلْمُقَارَنَةِ لِأَنَّهُمَا قَالَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَأَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَدَلَّ أَنَّهُ جَعَلَهَا لِلتَّرْتِيبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اخْتِلَافُهُمْ رَاجِعٌ إلَى ذِكْرِ الطَّلْقَاتِ مُتَعَاقِبَةً يَتَّصِلُ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ عَلَى التَّمَامِ وَالصِّحَّةِ ثُمَّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا مُوجَبُهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوجَبُهُ الِافْتِرَاقُ لِأَنَّ الثَّانِيَ اتَّصَلَ بِالشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ وَالثَّالِثُ بِوَاسِطَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ بِلَا وَاسِطَةٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْأَصْلُ بِالْوَاوِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْقِرَانِ وَقَالَا مُوجَبُهُ الِاجْتِمَاعُ وَالِاتِّحَادُ لِأَنَّ الثَّانِيَ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأَوَّلَ وَهُوَ فِي الْحَالِ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ فَصَحَّ التَّحْصِيلُ وَالتَّرْتِيبُ فِي التَّكَلُّمِ لَا فِي صَيْرُورَتِهِ طَلَاقًا كَمَا إذَا حَصَلَ التَّعْلِيقُ بِشُرُوطٍ يَتَخَلَّلُهَا أَزْمِنَةٌ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَضَعُوا لِكُلِّ جِنْسٍ اسْمًا ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنْوَاعَهُ كَالْإِنْسَانِ اسْمُ جِنْسٍ ثُمَّ يَتَنَوَّعُ إلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَكَالتَّمْرِ اسْمُ جِنْسٍ ثُمَّ يَتَنَوَّعُ إلَى عَجْوَةٍ وَبَرْنِيِّ وَسِنْجَانِيٍّ وَقَسْبٍ وَدَقَلٍ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (غَيْرُ عَامٍّ) كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا وَلَا مُجْمَلٍ قَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ مُجْمَلٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُعْرَفُ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ مُؤْمِنَةٍ مُفَسِّرٌ لَهَا فَلِذَلِكَ يَتَقَيَّدُ الرَّقَبَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ وَأَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مَعْلُومَةُ الْمَعَانِي عِنْدَ أَرْبَابِ اللِّسَانِ وَأَصْحَابِ الشَّرِيعَةِ فَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِكَوْنِهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُقَارَنَةٍ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ إذْ الْقِرَانُ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْوَلَاءِ. (أَوْ تَرْتِيبٍ) كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ مُتَمَسَّكِهِمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: ١٥٨] لِبَيَانِ أَنَّهُمَا مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ وَشَعَائِرِ اللَّهِ وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَمَا عَرَفْنَا وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بِهِ كَيْفَ وَأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] وَإِنَّمَا عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَوْ يَكُونُ الرُّكُوعُ مُقَدِّمَةَ السُّجُودِ وَالْقِيَامُ مُقَدِّمَةَ الرُّكُوعِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا رَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْأَعْرَابِيِّ لَمْ يَكُنْ لِإِفَادَةِ الْوَاوِ التَّرْتِيبَ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِي مَعْصِيَتِهِمَا لِعَدَمِ انْفِكَاكِ أَحَدَيْهِمَا مِنْ الْأُخْرَى بَلْ لِتَرْكِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا) أَنَّ الْوَاوَ لِلْمُقَارَنَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ وَيَنْزِلْنَ جُمْلَةً وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُقَارَنَةِ لَوَقَعَ الْأَوَّلُ وَلَغَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِلْمُقَارَنَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمُقَارَنَةِ أَوْ التَّرْتِيبِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا الْوَاوُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ مَوْضُوعَةً لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَارَنَةُ أَوْ التَّرْتِيبُ بِنَاءً عَلَى مَعْنًى آخَرَ غَيْرِ الْوَاوِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عَدَمُ اطِّرَادهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقَارَنَةِ أَوْ التَّرْتِيبِ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ كَيْفَ وَالْمُطْلَقُ فِي الْخَارِجِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْمُقَيَّدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ.
وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْإِنْسَانِ دَالٌّ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَمَوْضُوعٌ لَهَا بَلْ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْعَطْفِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالشَّرْطِ لَا لِأَنَّ الْوَاوَ أَوْجَبَتْ الْمُقَارَنَةَ أَوْ التَّرْتِيبَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ وَيَنْزِلْنَ جُمْلَةً فَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُوجَبِ الْوَاوِ لَثَبَتَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا قَالَا مُوجَبُهُ الِاجْتِمَاعُ أَيْ مُوجَبُ كَلَامِهِ الِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَطْفِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْجُمْلَةُ الْأُولَى تَامَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَوْلُهُ وَطَالِقٌ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِيرُ مَا يَتِمُّ بِهِ الْأُولَى وَهُوَ الشَّرْطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute