للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ آلَ يَئُولُ إذَا رَجَعَ وَأَوَّلْتُهُ إذَا رَجَعْتَهُ وَصَرَفْتَهُ؛ لِأَنَّك لَمَّا تَأَمَّلْت فِي مَوْضِعِ اللَّفْظِ فَصَرَفْت اللَّفْظَ إلَى بَعْضِ الْمَعَانِي خَاصَّةً

ــ

[كشف الأسرار]

بِلَازِمَيْنِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمِيزَانِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْخَفِيَّ وَالْمُشْكِلَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُجْمَلَ إذَا لَحِقَهَا الْبَيَانُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يُسَمَّى مُفَسَّرًا، وَإِذَا زَالَ الْإِشْكَالُ أَيْ الْخَفَاءُ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ يُسَمَّى مُؤَوَّلًا، وَذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُؤَوَّلِ وَتَفْسِيرُهُ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّيْخُ هُنَا وَكَذَا الْمُرَادُ مِنْ الْكَلَامِ مَتَى خَفِيَ لِدِقَّتِهِ فَأَوْضَحَ بِالرَّأْيِ كَانَ مُؤَوَّلًا، وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْمُؤَوَّلُ اسْمٌ لِمُشْتَرَكٍ تَنَاوَلَ بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ بِدَلِيلٍ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ وَنَحْوِهِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَيْدَيْنِ لَيْسَا بِلَازِمَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ مَا فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَمِنْ غَالِبِ الرَّأْيِ مَا يُوجِبُ الظَّنَّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ الْمُؤَوَّلِ مَا تَرَجَّحَ مِمَّا فِيهِ خَفَاءُ بَعْضِ وُجُوهِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَقَوْلُهُ مَا تَرَجَّحَ بَعْضُ وُجُوهِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ فَدَخَلَ فِيهِ الْمُفَسَّرُ بِقَوْلِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ اُحْتُرِزَ عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ يَقْبَلَانِ التَّأْوِيلَ أَيْضًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْمُفَسَّرُ فَوْقَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّأْوِيلِ قَائِمٌ فِيهِمَا فِي الْمُفَسَّرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ زَائِدًا لَا عِبَارَةً عَمَّا فِيهِ خَفَاءٌ أَوْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُحْتَمَلِ أَيْ الْمُؤَوَّلِ مَا تَرَجَّحَ مِنْ اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ بَعْضُ مُحْتَمَلَاتِهِ لِيَتَنَاوَلَ الْجَمِيعَ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى، وَقِيلَ فِي حَدِّ التَّأْوِيلِ هُوَ اعْتِبَارُ احْتِمَالٍ يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ يَصِيرُ بِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا دَخَلَ الْمُؤَوَّلُ فِي أَقْسَامِ النَّظْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ التَّأْوِيلِ يُضَافُ إلَى الصِّيغَةِ وَاللُّغَةِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الدَّلِيلِ الْأَقْوَى أَوْلَى؛ وَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ اللَّاحِقَ بِهِ مِثْلُهُ فِي الْقُوَّةِ فَيَجُوزُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْمُفَسَّرِ، وَهَذَا كَالْمُجْمَلِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ يَكُونُ ذَلِكَ ثَابِتًا قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْبَيَانِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُفَسَّرِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى لَا إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك لِمَا اُلْتُحِقَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى، {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: ٧٢] ، ثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ أَصْلَحَ اللَّهُ شَأْنَهُ أَمَّا قَوْلُهُمْ الْمُؤَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ النَّظْمِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرُوا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا تَرَجَّحَ بَعْضُ وُجُوهِ الْمُشْتَرَكِ بِالرَّأْيِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْ الْخَفِيِّ أَوْ الْمُشْكِلِ بِالرَّأْيِ وَلَا فِيمَا إذَا حُمِلَ الظَّاهِرُ أَوْ النَّصُّ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَقْسَامِ الصِّيغَةِ وَاللُّغَةِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ قَيْدًا لَازِمًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمُجْمَلُ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الثَّابِتُ بِهِ قَطْعِيًّا فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ لَا يُوجِبُ الْكَشْفَ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا مِثْلُ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ تَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَا هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>