وَأَمَّا كَمْ فَاسْمٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِعُ
ــ
[كشف الأسرار]
كَيْفَ يَصْنَعُ أَيْ إلَى الْحَالِ صَنْعَتَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ، أَيْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ مَعْنَى السُّؤَالِ فِيهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مَعْنَى السُّؤَالِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ فِيهِ وَصَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَوْ بَقِيَ فِيهِ مَعْنَى السُّؤَالِ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِ الْوَصْفِ بِمَشِيئَتِهَا أَنَّهُ إيقَاعٌ لِأَنَّهُ لَا وَصْفَ لِلْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِيَتَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ وَيَبْقَى الْفَضْلُ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ فِي الْوَصْفِ أَيْ الْبَيْنُونَةِ، وَالْقَدْرُ أَيْ الْعَدَدُ وَهُوَ الْحَالُ أَيْ الْفَضْلُ هُوَ الْحَالُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا كَيْفَ مُفَوَّضًا إلَى الْمَرْأَةِ.
بِشَرْطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ يَعْنِي فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فَضْلٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِيَتَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ.
وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا يَجِبُ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِإِثْبَاتِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اعْتِبَارًا بِعَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا حَالَ الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ كَيْفَ وَالْحَالُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْبَيْنُونَةِ وَالْعَدَدِ فَيُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ نِيَّةَ الزَّوْجِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ يَجْعَلَ الطَّلَاقَ بَائِنًا وَثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ جَعَلَ الطَّحَاوِيُّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي إثْبَاتِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ وَالثَّلَاثِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ شَيْئًا وَشَاءَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ.
أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَامَ امْرَأَتَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ.
وَالزَّوْجُ مَتَى أَوْقَعَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَهُ فَكَذَا الْمَرْأَةُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَكَذَلِكَ تَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَإِيقَاعَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ أَيْ مَا لَا يَكُونُ مَحْسُوسًا يُشَارُ إلَيْهِ مِثْلُ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا. فَحَالُهُ مِثْلُ كَوْنِ الطَّلَاقِ مَثَلًا بَائِنًا وَرَجْعِيًّا. وَوَصْفُهُ مِثْلُ كَوْنِهِ سُنِّيًّا وَبِدْعِيًّا، وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ تَرَادُفٌ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعَايَنًا مَحْسُوسًا كَانَ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ بِآثَارِهِ وَأَوْصَافِهِ كَوُجُودِ النِّكَاحِ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحِلِّ وَوُجُودُ الْبَيْعِ بِأَثَرِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ مُفْتَقِرًا إلَى وَصْفِهِ كَافْتِقَارِ وَصْفِهِ فِي وُجُودِهِ إلَيْهِ فَكَانَ وَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ مِنْ هَذَا لِوَجْهٍ فَإِذَا تَعَلَّقَ الْوَصْفُ تَعَلَّقَ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ مِنْ وَجْهٍ يَتَعَلَّقُهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا كَمْ فَاسْمٌ) لِكَذَا كَمْ اسْمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مَوْضُوعٌ لِلْكِنَايَةِ عَنْ الْأَعْدَادِ وَفِي الصِّحَاحِ كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ وَإِنْ جَعَلْته اسْمًا تَامًّا شَدَّدْت آخِرَهُ وَصَرَفْته فَقُلْت أَكْثَرْت مِنْ الْكَمِّ وَالْكَمِّيَّةِ.
فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَكَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُعَلَّمًا بِعَلَامَةِ الْبَزْدَوِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْعَدَدُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي الطَّلَاقِ إمَّا مُقْتَضًى كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا التَّقْدِيرُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَإِمَّا مَذْكُورًا كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِعُ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْمَشِيئَةُ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ الْعَدَدُ تَعَلَّقَ أَصْلُهُ بِالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ كَيْفَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute