للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا عُمُومَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مِثْلَهُ، وَقُلْنَا: إنَّ الْعُمُومَ مِنْ صِفَاتِ النَّظْمِ وَالصِّيغَةِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَظْمَ لَهُ لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مَنْظُومًا شَرْطًا لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا وَرَاءَ صِحَّةِ الْمَذْكُورِ

ــ

[كشف الأسرار]

الثَّمَنِ تُوجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَالِاقْتِضَاءُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَتُرَجَّحُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِ زَيْدٍ كَانَ بِمَعْنَى النَّصِّ لَا بِالنَّظْمِ كَثُبُوتِ الرَّجْمِ فِي حَقِّ غَيْرِ مَاعِزٍ. وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُعَارَضَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسَاوِي الْحُجَّتَيْنِ وَلَا تَسَاوِي؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ الَّذِي قَامَ الْمُقْتَضَى بِهِ كَلَامُ الْآمِرِ وَالدَّلَالَةُ ثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ فَأَنَّى يَتَعَارَضَانِ.

وَلِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّورَةِ إنْ ثَبَتَ لَيْسَ لِتَرَجُّحِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي فَإِنَّهُمَا لَوْ صَرَّحَا بِالْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْك بِأَلْفٍ وَقَالَ الْبَائِعُ قَبِلْت، لَا يَجُوزُ أَيْضًا بَلْ لِأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ النَّصِّ عَدَمُ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ إيَّاهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مُعَارَضَةِ الدَّلَالَةِ الْمُقْتَضَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْقِسْمِ) يَعْنِي فِي عُمُومِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا عُمُومَ لَهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ صِفَةُ الْعُمُومِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ عُمُومٌ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْعُمُومُ كَمَا يَجُوزُ فِي النَّصِّ.

وَقُلْنَا: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ النَّظْمِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْظُومٍ حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْعُمُومُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضَى لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ بِدُونِهِ لَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضِي لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْعُمُومِ لِلْمُقْتَضِي فَإِنَّ الْكَلَامَ مُفِيدٌ بِدُونِهِ فَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الْعَدَمُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْعُمُومُ. وَهُوَ نَظِيرُ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ لَمَّا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهُوَ سَدُّ الرَّمَقِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ وَالتَّمَوُّلِ وَالتَّنَاوُلِ إلَى الشِّبَعِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ النَّصِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حِلِّ الزَّكِيَّةِ يَظْهَرُ فِي حُكْمِ التَّنَاوُلِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ.

وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضِي وَإِنَّمَا الْعُمُومُ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا ضَرُورَةُ الْأَلْفَاظِ. بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ ظَاهِرُهُ لِنَفْيِ صُورَةِ الصَّوْمِ حِسًّا لَكِنْ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُجْمَلٌ. وَقِيلَ: إنَّهُ عَامٌّ لِنَفْيِ الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ غَلَطٌ نَعَمْ لَوْ قَالَ: لَا حُكْمَ لِصَوْمٍ بِغَيْرِ تَبْيِيتٍ لَكَانَ الْحُكْمُ لَفْظًا عَامًّا فِي الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ أَمَّا إذَا قَالَ لَا صِيَامَ فَالْحُكْمُ غَيْرُ مَنْطُوقٍ بِهِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مَعْنَاهُ حُكْمُ الْخَطَأِ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ قَالَ لَا حُكْمَ لِلْخَطَأِ لَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَالْعَزْمُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْعُمُومِ.

وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَتَى دَلَّ الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْعُ عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ فِي كَلَامٍ صِيَانَةً لَهُ عَنْ التَّكْذِيبِ وَنَحْوِهَا وَثَمَّةَ تَقْدِيرَاتٍ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِأَيِّهَا كَانَ لَا يَجُوزُ إضْمَارُ الْكُلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا الْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ بِدَلِيلٍ كَانَ كَظُهُورِهِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَظْهَرُهُ عَامًّا كَانَ مُقَدَّرُهُ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>