لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا وَقَدْ نَوَى عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ وَالْعِلْمُ مِنْ أَوْصَافِ النَّظْمِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَصْدَرُ هَهُنَا ثَابِتًا لُغَةً لِأَنَّ النَّعْتَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ الثَّابِتِ بِالْمَوْصُوفِ لُغَةً لِيَصِيرَ الْوَصْفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يَصِيرَ الْوَصْفُ ثَابِتًا بِالْوَاصِفِ بِحَقِيقَتِهِ تَصْحِيحًا لِوَصْفِهِ فَأَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَيْسَ بِلُغَوِيٍّ وَكَذَلِكَ ضَرَبْت بِنَاءً عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ وَطَلَّقْتُك يُوجِبُ مَصْدَرًا مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ فَكَانَ شَرْعِيًّا
ــ
[كشف الأسرار]
النِّيَّةِ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ بِهَذَا الْكَلَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا مُقَدَّمًا عَلَى الْمَذْكُورِ اقْتِضَاءً لَا لُغَةً لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا أَيْ بِوَصْفِهَا لَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَرْأَةِ وَطَالِقٌ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَصْفِ وَالْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهَا لَيْسَتْ بِاسْمٍ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِفِعْلِ الْإِيقَاعِ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا لِأَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا ثَابِتًا لُغَةً لَكِنَّهُ أَيْ لَكِنَّ الِاقْتِضَاءَ يَعْنِي الْمُقْتَضَى أَوْ لَكِنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ لِمَا مَرَّ فَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ ثَابِتًا فِي حَقِّ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَكَانَ نَاوِيًا عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَقَدْ عَرَفْت بِهَذَا أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَرْتِيبُهُ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا لَا الطَّلَاقُ لَكِنَّ الِاقْتِضَاءَ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَنَّهُ قَدْ نَوَى عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمَصْدَرُ هَاهُنَا أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَابِتًا لُغَةً جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً بَلْ هُوَ ثَابِتٌ لُغَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَقٍّ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا دَالٌّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً فَكَانَ ثُبُوتُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَيَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ فَأَجَابَ وَقَالَ: نَعَمْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت إلَّا أَنَّ دَلَالَتَهُ لُغَةً عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْمَوْصُوفِ لِيَصِحَّ بِنَاءُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ كَضَارِبٍ وَقَائِمٍ وَجَالِسٍ يَدُلُّ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فِي الذَّوَاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَا لَا عَلَى الْمَصْدَرِ قَائِمٍ بِالْوَاصِفِ وَهَاهُنَا وَصَفَ الْمَرْأَةَ بِالطَّالِقِيَّةِ فَتَدُلُّ لُغَةً عَلَى طَلَاقٍ قَائِمٍ بِهَا هُوَ مَصْدَرٌ كَقَوْلِك طَلَّقْت الْمَرْأَةَ طَلَاقًا لَا عَلَى طَلَاقٍ قَائِمٍ بِالزَّوْجِ هُوَ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ وَإِنَّمَا ثَبَّتَ ذَلِكَ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرْأَةِ فَكَانَ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا وَلِأَنَّ النَّعْتَ لُغَةً يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْوَصْفِ وَلَكِنْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَادِهِ فَإِنَّ قَوْلَك ضَارِبٌ أَوْ جَالِسٌ مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ بِالْمَوْصُوفِ وَلَكِنْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ أَصْلًا بَلْ كَانَا ثَابِتَيْنِ كَانَ الْكَلَامُ صِدْقًا وَإِلَّا وَقَعَ كَذِبًا وَلَغْوًا وَهَاهُنَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْكَلَامِ الطَّلَاقُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أَصْلًا تَصْحِيحًا لَهُ فَكَانَ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا.
وَلَا يُقَالُ: أَنْتِ طَالِقٌ جُعِلَ إنْشَاءً فِي الشَّرْعِ وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا وَصَارَ مَعْنَاهُ أُنْشِئُ الطَّلَاقَ فَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الطَّلَاقِ بِهِ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى صَيْرُورَتِهِ إنْشَاءً هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ اقْتِضَاءً لَا غَيْرُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَثَبَتَ بِهِ سُمِّيَ إنْشَاءً وَلَكِنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِهِ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ جَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيًّا حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً بِأَنْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ: أَحَدَيْكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَعَرَفْنَا أَنَّ كَوْنَهُ إنْشَاءً مَبْنِيٌّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ.
وَكَذَلِكَ ضَرَبْت بِنَاءً عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ يَعْنِي وَكَمَا أَنَّ النَّعْتَ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْمَوْصُوفِ لَا بِالْوَاصِفِ كَذَا قَوْلُك ضَرَبْت يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ لَا عَلَى مَصْدَرٍ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُك مَوْضُوعٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute