وَأَمَّا الثَّانِي فَمِثْلُ الرَّجُلِ يَقُولُ لِآخَرَ: لَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَيَقُولُ: بَلَى أَوْ يَقُولُ: كَانَ كَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ يُجْعَلُ إقْرَارًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَجَلْ هَذَا أَصْلُ بَلَى وَنَعَمْ أَنْ يَكُونَ بَلَى بِنَاءً عَلَى النَّفْيِ فِي الِابْتِدَاءِ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ وَنَعَمْ لِمَحْضِ الِاسْتِفْهَامِ وَأَجَلْ يَجْمَعُهُمَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلَانِ فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى إدْرَاجِ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ مُسْتَعَارٌ لِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي نَعَمْ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْضًا
ــ
[كشف الأسرار]
زَائِدٍ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ فَهَذَا يَتَقَيَّدُ بِمَا سَبَقَ وَيَصِيرُ مَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ لِاسْتِقْلَالِهِ فَإِذَا نَوَاهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَالرَّابِعُ مَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَهَذَا مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأُصُولِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ دُونَ السُّؤَالِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَالثَّانِي تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ أَمَّا فِي عُمُومِهِ فَمِثْلُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلَا إذَنْ» فَالسُّؤَالُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِأَحَدٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ عَمَّ الْكُلَّ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا فِي خُصُوصِهِ فَكَمَا لَوْ سَأَلَهُ سَائِلٌ أَيُجْزِئُنِي التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلسُّؤَالِ أَوْ أَخَصَّ أَوْ أَعَمَّ فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا فَالْحُكْمُ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ عِنْدَ كَوْنِ السُّؤَالِ عَامًّا كَمَا «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّنْ يَرْكَبُ الْبَحْرَ أَيَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْبَحْرُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» أَوْ خَاصًّا كَمَا سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ وَطْئِهِ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً كَالْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ حَتَّى عَمَّ جَوَابُ الْأَوَّلِ لِلْكُلِّ وَيَخْتَصُّ جَوَابُ الثَّانِي بِالْأَعْرَابِيِّ وَإِنْ كَانَ أَخَصَّ كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَنَقُولُ يَجُوزُ لَك فَالْجَوَابُ يَخْتَصُّ بِالسَّائِلِ وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ دَلَالَةٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إذْ اللَّفْظُ لَا عُمُومَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ أَوْ الْحَادِثَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ فِي حُكْمٍ آخَرَ أَوْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلِّ مَيْتَتُهُ» فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ حِلُّ مَيْتَتِهِ فِي الْمِثَالِ لِأَنَّهُ عَامٌّ مُبْتَدَأٌ بِهِ لَا فِي مَعْرَضِ الْجَوَابِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَسْئُولٍ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ لِمَنْ قَالَ أَيُجْزِئُنِي التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْبَحْرِ» «وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَتْ لِمَيْمُونَةَ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّبَبِ سَبَبُ الْوُرُودِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ أَخَصَّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا أَيْضًا عَمَّ الْحُكْمُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَلِعُمُومِ السَّبَبِ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْقَذْفِ أَنَّ الْجَزَاءَ مُفْتَقِرٌ إلَى الشَّرْطِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي) فَكَذَا اعْلَمْ أَنَّ نَعَمْ وَبَلَى وَأَجَلْ مِنْ حُرُوفِ التَّصْدِيقِ فَأَمَّا نَعَمْ فَمُوجَبُهُ تَصْدِيقُ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ أَوْ مُثْبَتٍ كَمَا إذَا قِيلَ لَك قَامَ زَيْدٌ فَقُلْت نَعَمْ كَانَ الْمَعْنَى قَامَ أَوْ قِيلَ لَك لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت نَعَمْ كَانَ الْمَعْنَى لَمْ يَقُمْ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْكَلَامَانِ بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِذَا قِيلَ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ أَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقَدْ حَقَقْت مَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَأَمَّا بَلَى فَالْإِيجَابُ مَا بَعْدَ النَّفْيِ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا فَإِذَا قِيلَ: لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ أَوْ أَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ وَأَمَّا أَجَلْ فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ إلَّا فِي الْخَبَرِ خَاصَّةً نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا يَقُولُ الْقَائِلُ: قَدْ أَتَاك زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَأْتِك فَتَقُولُ أَجَلْ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ
هَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute