للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ تَغَدَّ مَعِي فَيَقُولُ الْآخَرُ: إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: إنَّك تَغْتَسِلُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ جَنَابَةٍ فَقَالَ: إنْ اغْتَسَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ هَذَا خَرَجَ جَوَابًا فَتَضَمَّنَ إعَادَةَ السُّؤَالِ الَّذِي سَبَقَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَلَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْتُ اللَّيْلَةَ أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدِي حُرٌّ صَارَ مُبْتَدَأً احْتِرَازًا عَنْ إلْغَاءِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْجَوَابَ صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرُ الزِّيَادَةُ تَوْكِيدًا وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْتِعْمَالَ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي كَلِمَةِ نَعَمْ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ صَرِيحًا وَمِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ الِاسْتِفْهَامِ إدْرَاجًا فَقَالَ: إذَا قَالَ لِآخَرَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: نَعَمْ يُجْعَلُ إقْرَارًا.

وَكَذَا إذَا قَالَ الطَّالِبُ لِرَجُلٍ: أَخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْك كَذَا أَوْ أَعْلِمْهُ أَوْ بَشِّرْهُ أَوْ قُلْ لَهُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا وَلَا يُمْكِنُ هَاهُنَا إضْمَارُ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَمَحَلُّ الِاسْتِفْهَامِ الْخَبَرُ فَكَانَ هَذَا طَرِيقًا آخَرَ اخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بَلَى وَنَعَمْ فِي جَوَابِ مَا لَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ عَلَى أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ أَوْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَسَائِلَ بَنَاهَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ فِي السُّؤَالِ أَوْ احْتِمَالِ اسْتِفْهَامٍ وَجَعَلَهَا إقْرَارًا صَحِيحًا بِطَرِيقِ الْجَوَابِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ فِيهَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالُ.

وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى إدْرَاجِ الِاسْتِفْهَامِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ أَوْ مُسْتَعَارًا لِلِاسْتِفْهَامِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ مُحَمَّدٌ فِي كَلِمَةِ نَعَمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ صَرِيحًا وَمِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ الِاسْتِفْهَامَ إضْمَارًا فَكَانَ مُسْتَعَارًا كَقَوْلِهِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الِاسْتِفْهَامَ يُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِلِاسْتِفْهَامِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْخَبَرِ وَصَلَاحِيَّةُ الْخَبَرِ لِلِاسْتِفْهَامِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ: قَضَاءُ الْأَلْفِ وَاجِبٌ لِي عَلَيْك فَاقْضِهَا ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَتَقْضِي الْأَلْفَ.

وَقَوْلُهُ نَعَمْ لَمَّا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا سَبَقَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَتَصْلُحُ جَوَابًا قَوْلُهُ (وَأَمَّا الثَّالِثُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَيْهِ فَمِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِآخَرَ تَغَدَّ مَعِي فَقَالَ: إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلٍ فَتَغَدَّى أَوْ تَغَدَّى مَعَهُ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِهِ لَكِنَّا خَصَصْنَاهُ وَقَيَّدْنَاهُ بِالْفَوْرِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ رَدًّا عَلَيْهِ وَهُوَ إنَّمَا دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تَغَدَّيْت الْغَدَاءَ الَّذِي دَعَوْتنِي إلَيْهِ وَهَذَا كَالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ.

وَكَذَا إذَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إنَّكَ تَغْتَسِلُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ جَنَابَةٍ فَقَالَ: إنْ اغْتَسَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ يَمِينَهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الِاغْتِسَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَاخْتَصَّ بِهِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ وَلَمْ يَزِدْ هُوَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ لِأَنَّ جَوَابَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ.

وَقَوْلُهُ إنْ اغْتَسَلْتُ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لَكِنَّهُ مُفَسِّرٌ وَالتَّفْسِيرُ يُؤَكِّدُ وَلَا يُغَيِّرُ قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت اللَّيْلَةَ أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدِي حُرٌّ صَارَ مُبْتَدَأً) وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ الَّذِي هُوَ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَانَ فِيهِ اعْتِبَارُ الْحَالِ وَإِلْغَاءُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُبْتَدَأً كَانَ فِيهِ اعْتِبَارُ الزِّيَادَةِ وَإِلْغَاءُ الْحَالِ فَكَانَ هَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْكَلَامِ لَا بِالْحَالِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَالْحَالُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَيَكُونُ الْكَلَامُ صَرِيحًا فِي إفَادَةِ الْعُمُومِ وَالْحَالُ دَلَالَةٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالسَّبَبِ وَلَا قِوَامَ لَهَا مَعَ الصَّرِيحِ فَلِذَلِكَ رَجَّحْنَا اللَّفْظَ وَجَعَلْنَاهُ ابْتِدَاءً.

وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَابِ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْحَالِ لَكِنَّهُ عَمَلٌ بِالْمَسْكُوتِ وَتَرْكٌ لِلْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْجَوَابَ صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>