للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ حُكْمِ قَبْلِ وُجُودِهِ بِطَرِيقَيْنِ وَطُرُقِ كَثِيرَة وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ صَوْمَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ فَإِنْ قَالَ: إنَّ الْأَصْلَ مُتَعَارِضٌ؛ لِأَنِّي وَجَدْتُ صَوْمَ الْمُتْعَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا مُتَفَرِّقًا قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ بِكَلِمَةِ إذَا فَكَانَ كَالظُّهْرِ لَمَّا أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا قَبْلَهُ وَذَلِكَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ

وَأَحْكَامُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إلَى الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ وَهَذَا

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُمَا الْإِرْسَالُ وَالتَّعْلِيقُ كَمَا كَانَ وَذَلِكَ أَيْ احْتِمَالُ الْوُجُودِ جَائِزٌ أَيْ ثَابِتُ كُلِّ حُكْمٍ قَبْلَ ثُبُوتِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ وَأَكْثَرَ كَالْمِلْكِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ) ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ مَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَوْمُ الْيَمِينِ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ فِي قَوْلٍ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٩٦] وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى صَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ الْمُقَيَّدَيْنِ بِالتَّتَابُعِ كَمَا حَمَلَ الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْإِيمَانِ فِي الْقَتْلِ وَهَذَا مِنْهُ تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِوُجُوبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ وَاعْتَذَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمُقَيَّدَاتِ وَكَانَ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ أَصْلَانِ مُتَعَارِضَانِ فِي التَّقْيِيدِ فَلَا لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ وَهَاهُنَا الصَّوْمُ الْمُطْلَقُ وَقَعَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ مُقَيَّدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي التَّقْيِيدِ.

أَحَدُهُمَا صَوْمُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ وَالْآخَرُ صَوْمُ التَّمَتُّعِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّفْرِيقِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَجَازَ التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِفَوَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ أَوْ خَبَرٌ مَشْهُورٌ وَالْآخَرُ نَصٌّ قَاطِعٌ فَرَدَّ الشَّيْخُ اعْتِذَارَهُ وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى صَوْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَوْمَ الْمُتْعَةِ مُتَفَرِّقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَامَ الْعَشَرَةَ بَعْدَ الرُّجُوعِ جُمْلَةً جَازَ عِنْدَهُ وَلَوْ صَامَهَا مُتَفَرِّقَةً قَبْلَ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّفْرِيقِ إلَّا أَنَّهُ أَعْنِي صَوْمَ الْمُتْعَةِ صَوْمَانِ مُطْلَقَانِ مُؤَقَّتَانِ أَحَدُهُمَا وَقْتُهُ وَقْتُ الْحَجِّ وَالْآخَرُ وَقْتُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ بِكَلِمَةِ إذَا وَأَنَّهَا لِلْوَقْتِ فَلَمْ يَجُزْ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ شَرْعِيَّتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَ الشَّهْرِ وَأَدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا لِوُجُوبِ التَّفْرِيقِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِالتَّفْرِيقِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُطْلَقِ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ فَلَزِمَ التَّنَاقُضُ عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ صَوْمَ التَّمَتُّعِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فَكَلَامُهُ سَاقِطٌ أَيْضًا لِأَنَّ صَوْمَ الْمُتْعَةِ لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لِصَوْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَّارَاتِ لِيَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ بَلْ الْمُطْلَقُ فِي الْكَفَّارَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيهَا لِإِمْكَانِ الْمُقَايَسَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ وَلَيْسَ فِي الْكَفَّارَةِ صَوْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّفَرُّقِ فَلَمْ يَثْبُتْ تَعَارُضُ الْأَصْلَيْنِ وَوَجَبَ الْحَمْلُ وَإِذَا لَمْ يُحْمَلْ كَانَ مُتَنَاقِضًا.

وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَحْوَطِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَأَوْجَبَ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ أَيْ عَدَمُ شَرْعِيَّةِ صَوْمِ السَّبْعَةِ أَوْ عَدَمُ جَوَازِهِ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وُقُوعُ التَّفْرِيقِ فِيهِ لِمَعْنًى ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: صَوْمُ الْمُتْعَةِ لَمْ يُشْرَعْ مُتَفَرِّقًا وَإِنَّمَا جَاءَ التَّفَرُّقُ ضَرُورَةَ تَخَلُّلِ أَيَّامٍ لَا صَوْمَ فِيهَا وَهِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ بِمَنْزِلَةِ تَخَلُّلِ اللَّيَالِي وَتَخَلُّلِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ أَوْ الْقَتْلِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الشَّارِعَ شَرَعَهُ مُتَفَرِّقًا مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَشْرَعَهُ جُمْلَةً قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا فَدَلَّ أَنَّهُ شُرِعَ مُتَفَرِّقًا لَا أَنَّهُ وَقَعَ ضَرُورَةً قُلْنَا: الصَّوْمُ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَجَبَ بَدَلًا وَالْبَدَلُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْمُبْدَلُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِبْدَالِ إلَّا أَنَّ وَقْتَ الْأَصْلِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>